قال بعض الكبار مقام السؤال صعب قوم يسألهم الملك وقوم يسألهم الملك فالذين تسألهم الملائكة أقوام لهم أعمال صالحة تصلح للعرض والكشف وأقوام لهم أعمال لا تصلح للكشف وهم قسمان : الخواص يسترهم الحق عن اطلاع الخلق عليهم في الدنيا والآخرة وأقوام هم أهل الزلات يخصهم الله تعالى برحمته فلا يفضحهم وأما الأغيار والأجانب فيقال لهم كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً فإذا قرأوا كتابهم يقال لهم فما جزاء من عمل هذا فيقولون جزاؤه النار فيقال لهم ادخلوا بحكمكم كما أن جبرائيل جاء في صورة البشر إلى فرعون وقال ما جزاء عبد عصى سيده وادعى العلو عليه وقد رباه بأنواع نعمه قال جزاؤه الغرق قال : اكتب لي فكتب له صورة فتوى فلما كان يوم الغرق أظهر الفتوى وقال : كن غريقاً بحكمك على نفسك.
ويجوز أن يقال لهم في بعض أحوال استيلاء الفزع عليهم مالكم لا تناصرون فيكون منقطعاً عما قبله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال في "بحر العلوم" : والآية نص قاطع ينطق بحقية الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر واحد من السيف يعبره أهل الجنة وتزل به أقدام أهل النار وأنكره بعض المعتزلة لأنه لا يمكن العبور عليه وإن أمكن فهو تعذيب للمؤمنين وأجيب بأن الله قادر
٤٥٤
أن يمكن من العبور عليه ويسهله على المؤمنين حتى أن منهم من يجوزه كالبرق الخاصف ومنهم كالريح الهابّة ومنهم كالجواد إلى غير ذلك، وفي "سلسلة الذهب" للمولى الجامي :
هركه باشد زمؤمن وكافر
بر سرل كنند شان حاضر
هركه كافر بود و بنهد اى
قعر دوز خ بود مر او راجاى
مؤمنانرا زحق رسد تأييد
ليك بر قدر قوت توحيد
هر كرا بر طريقت نبوى
ره نبود ست غير راست روى
دوزخ از نور او كند رهيز
بكذرد همو برق خاطف تيز
ياو مرغ ران وباد وزان
ياو يزى دكر سبكترازان
وانكه ضعفى بود در ايمانش
نبود زان كذشتن آسانش
بلكه درربخ آن كذركه تنك
باشد اورا بقدر ضعف درنك
ليك يابد خلاص آخر كار
كره بيند مشقت بسيار
وفي الحديث :"إذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد ادخل الجنة وتنعم بعبادتك وقيل للعالم قف ههنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت فقام مقام الأنبياء" وقد جاء في الفروع رجلان تعلما علماً كعلم الصلاة أو نحوها أحدهما يتعلم ليعلم الناس والآخر يتعلم ليعمل به فالأول أفضل لأن منفعة تعليم الخلق أكثر لكونه خيراً متعدياً فكان هو أفضل من الخير اللازم لصاحبه وقد جاء في الآثار "إن مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء الليلة" خصوصاً إذا كان مما يتعلق بالعلم بالله وقد قل أهله في هذا الزمان وانقطعت مذاكرته عن اللسان لانقطاع ذوق الجنان وانسداد البصيرة والعياذ بالله من الخذلان والحرمان ﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ (استسلام : كردن نهادن) يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع وأصله طلب السلامة.
والمعنى : منقادون ذليلون خاضعون بالاضطرار لظهور عجزهم وانسداد باب الحيل عليهم أسلم بعضهم بعضاً وخذله عن عجز فكل مستسلم غير منتصر كقوم متحابين انكسرت سفينتهم فوقعوا في البحر فأسلم كل واحد منهم صاحبه إلى الهلكة لعجزه عن تنجية نفسه فضلاً عن غيره بخلاف حال المتحابين في الله.
قال الحافظ :
يار مردان خدا باش كه دركشتى نوح
هست خاكى كه بآبى نخرد طوفانرا
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿وَأَقْبَلَ﴾ حينئذٍ (والاقبال : يش آمدن وروى فراكسى كردن).
يقال : أقبل عليه بوجهه وهو ضد الإدبار ﴿بَعْضُهُمْ﴾ هم الاتباع أو الكفرة ﴿عَلَى بَعْضٍ﴾ هم الرؤساء أو القرناء حال كونهم ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ يسأل بعضهم بعضاً سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال ولذا فسر بيتخاصمون كأنه قيل كيف يتساءلون فقيل :﴿قَالُوا﴾ أي : الاتباع للرؤساء أو الكفرة للقرناء ﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا﴾ في الدنيا ﴿عَنِ الْيَمِينِ﴾ عن القوة والإجبار فنتجبروننا على الغي والضلال فاتبعناكم خوفاً منكم بسبب القهر والقوة وبها يقع أكثر الأعمال.
أو عن الناحية التي كان منها الحق فتصرفوننا عنها كما في ا"المفردات".
وعن الجهة التي كنا نأمنكم منها لحلفكم أنكم على الحق فتصدقناكم فأنتم أضللتمونا كما في "فتح الرحمن"
فاليمين
٤٥٥
إذا بمعنى الحلف والأول أوفق للجواب الآتي كما في "الإرشاد".
ويقال : من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين لتلبيس الحق عليه.
ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات.
ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل تكذيب القيامة.
ومن أتاه من خلفه أتاه من قبل تخويفه بالفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحماً ولم يؤد زكاة.
وفي الآية إشارتان :
"الأولى" : أن دأب أهل الدنيا أنهم يلقون ذنب بعضهم على بعض ويدفعون عن أنفسهم ويبرئون اعراض الإخوان من تهمة الذنوب ويتهمون أنفسهم بها كما كان عيسى عليه السلام إذا رأى قد سرق شيئاً يقول له أسرقت؟ فيقول : لا والذي لا إله إلا هو فيقول عيسى : صدقت وكذبت عيناي.


الصفحة التالية
Icon