جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
والثانية" : أن من كان مؤمناً حقيقياً لا يقدر أحد على إضلاله ومن كان مؤمناً تقليدياً يضل بإضلال أهل الهوى والبدع ويزول إيمانه بأدنى شبهة كما أشار بنفي الإيمان في الجواب الآتي ﴿قَالُوا﴾ استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال الرؤساء أو القرناء فقيل : قالوا :﴿بَلْ لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ أي : لم نمنعكم من الإيمان بالقوة والقهر أو بنحو ذلك بل لم تؤمنوا باختياركم وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه وآثرتم الكفر عليه ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـان﴾ من قهر وتسلط نسلب به اختياركم.
والسلاطة التمكن من القهر سلطه فتسلط ومنه سمي السلطان بمعنى الغالب والقاهر والسلطان يقال في السلاطة أيضاً ومنه ما في الآية ونظائرها ﴿بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَـاغِينَ﴾ مختارين للطغيان مصرين عليه والطغيان مجاوزة الحد في العصيان ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا﴾ أي : لزم وثبت علينا ﴿قَوْلُ رَبِّنَآ﴾ وهو قوله :﴿لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ﴿إِنَّا لَذَآاـاِقُونَ﴾ أي : العذاب الذي ورد به الوعيد وبالفارسية :(بدرستى كه شند كانيم عذاب را دران روز) ﴿فَأَغْوَيْنَـاكُمْ﴾ فدعوناكم إلى الغي والضلال دعوة غير ملجئة فاستجبتم لنا باختياركم الغي على الرشد وبالفارسية :(س ما شمارا دعوت كرديم بكمراهى وكراهى بجهت آنكه) ﴿إِنَّا كُنَّا غَـاوِينَ﴾ ثابتين على الغواية فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم بتلك المرتبة من الدعوة لتكونوا أمثالنا في الغواية وبالفارسية :(ما بوديم كمراهان خواستيم كه شما نيز مثل ما باشيد در مثل است كه خر من سوخته خر من سوخته طلبد :
من مستم وخواهم كه توهم مست شوى
تا همو من سوخته همدست شوى
حق سبحانه وتعالى فرمودكه) ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ أي : الأتباع والمتبوعين ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ (آنروز) ﴿فِى الْعَذَابِ﴾ متعلق بقوله :﴿مُشْتَرِكُونَ﴾ حسبما كانوا مشتركين في الغواية ﴿إِنَّا كَذَالِكَ﴾ أي : مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه الحكمة التشريعية وهو الجمع بين الضالين والمضلين في العذاب ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ المتناهين في الإجرام وهم المشركون كما يعرب عنه التعليل بقوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ بطريق الدعوة والتلقين بأن يقال قولوا :﴿لا إله إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يتعظمون عن القول، وقع ذكر لا إله إلا الله في القرآن في موضعين : أحدهما في هذه السورة.
والثاني في سورة القتال في قوله :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إله إِلا اللَّهُ﴾ وليس في القرآن لهما ثالث.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وفي "التلويح" : لا يخفى أن الاستثناء ههنا بدل من اسم لا على المحل والخبر محذوف أي : لا إله موجود في الوجود إلا الله انتهى.
قال الهندي : ويجوز في المستثنى النصب على الاستثناء
٤٥٦
ولا يضعف إلا في نحو لا إله إلا الله من حيث أنه يوهم وجهاً ممتنعاً وهو الإبدال من اللفظ انتهى.
قال العصام لأن إيهام البدل ههنا من اللفظ إيهام الكفر وبينه وبين قصد المخبر بالتوحيد تناف ﴿وَيَقُولُونَ أَاـاِنَّا﴾ (آياما) ﴿لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا﴾ (ترك كنند كانيم عبادات خداى خودرا) ﴿لِشَاعِرٍ مَّجْنُون﴾ أي : لأجل قول شاعر مغلوب على عقله يعنون محمداً صلى الله عليه وسلّم وهمزة الاستفهام للإنكار أي : ما نحن بتاركي عبادة آلهتنا وهي الأصنام وبالفارسية :(ما بسخن أو ترك عبادت اصنام نكنيم) ولقد كذبوا في ذلك حيث جننوه وشعروه وقد علموا أنه أرجح الناس عقلاً وأحسنهم رأياً وأشدهم قولاً وأعلاهم كعباً في المآثر والفضائل كلها وأطولهم باعاً في العلوم والمعارف بأسرها ويشهد بذلك خطبة أبي طالب في تزويج خديجة الكبرى في محضر بني هاشم ورؤساء مضر على ما سبق في سورة آل عمران عند قوله تعالى :﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ١٦٤) الآية ﴿بَلْ جَآءَ بِالْحَقِّ﴾ أي : ليس الأمر على ما قالوه من الشعر والجنون بل جاء محمد بالحق وهو التوحيد ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ جميعاً في مجيئهم بذلك فما جاء به هو الذي أجمع عليه كافة الرسل فأين الشعر والجنون من ساحته الرفيعة :
هركرا در عقل كل باشد كمال
نيست او مجنون اى شوريده حال


الصفحة التالية
Icon