﴿إِنَّكُمْ﴾ بما فعلتم من الإشراك وتكذيب الرسول والاستكبار ﴿لَذَآاـاِقُوا الْعَذَابِ الالِيمِ﴾ والالتفات إلى الخطاب لإظهار كمال الغضب عليهم ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي : الإجزاء ما كنتم تعملونه من السيآت أو إلا ما كنتم تعملونه منها.
قال ابن الشيخ ولما كان المقام مظنة أن يقال كيف يليق بالكريم الرحيم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده أجاب عنه بقوله :﴿وَمَا تُجْزَوْنَ﴾ إلخ وتقريره أن الحكمة تقتضي الأمر بالخير والطاعة والنهي عن القبيح والمعصية ولا يكمل المقصود من الأمر والنهي إلا في الترغيب في الثواب والترهيب بالعقاب ولما وقع الاخبار بذلك وجب تحقيقه صوناً للكلام عن الكذب فلهذا السبب وقعوا في العذاب انتهى.
فعلى العاقل أن يحذر من يوم القيامة وجزائه فينتقل من الإنكار إلى الإقرار ومن الشك إلى اليقين ومن الكبر إلى التواضع ومن الباطل إلى الحق ومن الفاني إلى الباقي ومن الشرك إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص.
وسئل علي رضي الله عنه ما علامة المؤمن قال أربع : أن يطهر قلبه من الكبر والعداوة.
وأن يطهر لسانه من الكذب والغيبة.
وأن يطهر قلبه من الرياء والسمعة.
وأن يطهر جوفه من الحرام والشبهة وأعظم الكبر أن يتكبر عن قول لا إله إلا الله الذي هو أساس الإيمان وخير الاذكار وكلمة الإخلاص وبه يترقى العبد إلى جميع المراتب الرفيعة لكن بشرائطه وأركانه (حسن بصري را رسيدند كه ه كويى درين خبر كه) "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" قال لمن عرف حدها وأدى حقها :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
هركرا از خدا بود تأييد
نشود كار او بجز توحيد
ذكر توحيد مايه حالست
ون ازان بكذرى همه قالست
﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء منقطع من ضمير ذائقون وما بينهما اعتراض جيىء به مسارعة
٤٥٧
إلى تحقيق الحق ببيان أن ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلاً ولكون الاستثناء منقطعاً وإلا بمعنى لكن.
قال في "كشف الأسرار" : تم الكلام ههنا أي : عند قوله تعالى :﴿إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ والمعنى إنكم لذائقوا العذاب الأليم لكن عباد الله المخلصين لا يذوقونه.
والمخلصون بالفتح من أخلصه الله لدينه وطاعته واختاره لجناب حضرته كقوله تعالى :﴿وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىا﴾ (النمل : ٥٩) أي : اصطفاهم الله تعالى فلهم سلامة من الأزل إلى الأبد.
والمخلص بالكسر من أخلص عبادتهتعالى ولم يشرك بعبادته أحداً كقوله تعالى :﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ﴾ (النساء : ٤٦).
وحقيقة الفرق بينهم على ما قال بعض العارفين أن الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو من تخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقاً والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد وهو من تخلص من شوائب الغيرية أيضاً والثاني أوسع فلكاً وأكثر إحاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس فرحم الله حفصا حيث قرأ بالفتح حيثما وقع في القرآن ﴿أولئك﴾ الخ استئناف فكأن سائلاً سأل ما لهؤلاء املخلصين من الأجر والثواب فقيل : أولئك الممتازون عما عداهم بالإضافة والإخلاص ﴿لَهُمُ﴾ بمقابلة إخلاصهم في العبودية ﴿رِزْقٌ﴾ لا يدانيه رزق ولا يحيط به وصف على ما يفيده التنكير والرزق اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان فيأكله ﴿مَّعْلُومٌ﴾ الخصائص من حسن المنظر ولذة الطعم وطيب الرائحة ونحوها من نعوت الكمال والظاهر أن معناه معلوم وجوداً وقدراً وحسناً ولذة وطيباً ووقتاً بكرة وعشياً أو دواماً كل وقت اشتهوه فإن فيه فراغ الخاطر وإنما يضطرب أهل الدنيا في حق الرزق لكون أرزاقهم غير معلومة لهم كما في الجنة :
تشنكانرا نمايد اندر خواب
همه عالم بشم شمه آب
هركرا شمه شد جدا لب او
كى بماند بآنكه در لب جو
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿فَوَاكِهُ﴾ بدل من رزق جمع فاكهة وهي كل ما يتفكه به أي : يتنعم بأكله من الثمار كلها رطبها ويابسها وتخصيصها بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه أي : ما يأكل بمجرد التلذذ دون الاقتيات وبالفارسية :(قوت كرفتن) لأنهم مستغنون عن القوت لكون خلقتهم على حالة تقتضي البقاء فهي محكمة محفوظة من التحلل المحوج إلى البدل بخلاف خلقة أهل الدنيا فإنها على حالة تقتضي الفناء فهي ضعيفة محتاجة إلى ما يحصل به القوام اللهم إلا خلقة بعض الأفراد المصونة من التحلل والتفسخ دنيا وبرزخاً.