قال ابن الملك عند قوله عليه السلام :"لا عدوى ولا طيرة ولا غول" هو واحد الغيلان وهي نوع من الجن كانت العرب يعتقدون أنه في الفلاة يتصرف في نفسه ويتراءى للناس بألوان مختلفة وأشكال شتى ويضلهم عن الطريق ويهلكهم.
فإن قيل ما معنى النفي وقد قال عليه السلام :"إذا تغولت الغيلان" أي : تلونت لوناً بصور شتى "فعليكم بالأذان".
أجيب بأنه كان ذلك في الابتداء ثم دفعه الله عن عباده.
أو يقال المنفي ليس وجود الغول بل ما يزعمه العرب من تصرفه في نفسه انتهى أي : من تلونه بالصور المختلفة واغتياله أي : إضلاله وإهلاكه والغول يطلق على ما يهلك كما في ا"المفردات"، وفي "المثنوي" :
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز†
أخذ ذكر الحق من الأذان في الحديث وأراد بالغيلان ما يضل السالك أياً كان ﴿وَلا هُمْ﴾ أي : المخلصون ﴿عَنْهَا﴾ أي : عن خمر الجنة ﴿يُنزَفُونَ﴾ يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله من السكر وبالكسر من أنزف الرجل إذا سكر وذهب عقله أو نفد شرابه.
وفي "المفردات" : نزف الماء نزحه كله من البئر شيئاً بعد شيء ونزف دمه ودمعه أي : نزح كله ومنه قيل سكران نزف أي : نزف فمه بسكره.
وقرىء ينزفون أي : بالكسر من قولهم أنزف القوم إذا نزف ماء بئرهم انتهى.
ثم إنه أفرد هذا بالنفي مع اندراجه فيما قبله من نفي الغول عنها لما أنه من معظم مفاسد الخمر كأنه جنس برأسه.
والمعنى لا فيها نوع من أنواع الفساد من مغص أي : وجه في البطن أو صداع أو حمى أو عربدة أي : سوء خلق والمعربد مؤذ نديمه في سكره "قاموس" أي : لا لغو ولا تأثيم ولا هم يسكرون.
وفي "بحر العلوم" وبالجملة ففي خمر الدنيا أنواع من الفساد من السكر وذهاب العقل ووقوع العداوة والبغضاء والصداع والخسارة في الدين والدنيا حتى جعل شاربها كعابد الوثن ومن القيىء والبول وكثيراً ما تكون سبباً للقتال والضراب والزنى وقتل النفس بغير حق كما شوهد من أهلها ولا شيء من ذلك كله في خمر الجنة.
قال بعض العرفاء جميع البلاء والارتكابات ليس إلا لكثافتنا فلولا هذه الكثافة لما عرض لنا الأمراض والأوجاع ولم يصدر منا ما يقبح في العقول والأوضاع ألا يرى أنه لا مرض في عالم الآخرة ولا شيء مما يتعلق بالكثافة ولكن معرفة الله تعالى لا تحصل لو لم تكن تلك الكثافة فهي مدار الترقي والتنزل ولذلك لا يكون للملائكة ترق وتدل فهم على خلقتهم وجبلتهم الأصلية ﴿وَعِندَهُمْ﴾
٤٦٠
أي : عند المخلصين ﴿قَـاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ القصر الحبس والمنع وطرف العين جفنه والطرف تحريك الجفن وعبر به عن النظر لأن تحريك الجفن يلازمه النظر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
والمعنى حور قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفاً إلى غيرهم ولا يبغين بهم بدلاً لحسنهم عندهن ولعفتهن كما في بعض التفاسير ﴿عِينٌ﴾ صفة بعد صفة لموصوف ترك ذكره للعلم به.
جمع عيناء بمعنى واسعة العين وأصله فعل بالضم كسرت الفاء لتسلم الياء والمعنى حسان الأعين وعظامها.
قال في "المفردات" : يقال للبقر الوحشي عيناء وأعين لحسن عينه وبها شبه الإنسان ﴿كَأَنَّهُنَّ﴾ أي : القاصرات ﴿بَيْضٌ﴾ بفتح الباء جمع بيضة وهو المعروف سمي البيض لبياضه والمراد به هنا بيض النعام يعني :(خايه شتر مرغ) ﴿مَّكْنُونٌ﴾ ذكر المكنون مع أنه وصف به الجمع فينبغي أن يؤنث اعتباراً للفظ الموصوف ومكنون أي : مستور من كننته أي : جعلته في كن وهو السترة شبهن بيض النعام المصون من الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإن ذلك أحسن ألوان الأبدان أي : لم تنله الأيدي فإن ما مسته الأيدي يكون متدنساً.
وقال الطبري أولى الأقاويل أن يقال : إن البيض هو الجلدة التي في داخل القشرة قبل أن يمسها شيء لأنه مكنون يعني هو البيض أول ما ينحى عنه قشره.
يقول الفقير أغناه الله القدير : ذكر الله تعالى في هذه الآيات ما كان لذة الجسم ولذة الروح.
أما لذة الجسم فالتنعم بالفواكه وأنواع النعم والخمر التي لم يكن عند العرب أحب منها والتمتع بالأزواج الحسان.
وأما لذة الروح فالسرور الحاصل من الإكرام والإنس الحاصل من صحبة الإخوان والانبساط الحاصل من النظر إلى وجوه الحسان وفي الحديث :"ثلاث يجلين البصر النظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري وإلى الوجه الحسن" قال ابن عباس رضي الله عنهما والاثمد عند النوم نسأل الله لقاءه وشهوده ونطلب منه فضله وجوده :
دارم اندك روشنايى در بصر
بى جمال او ولى فيه النظر


الصفحة التالية
Icon