قال بعض العرفاء : البيضة حلال لطيف ولكن أهل التصوف لا يأكلها لأنها ناقصة وإنما كمالها إذا كانت دجاجة وكذا لا يحصل منها الشبع التام وكذا من مرق العمارة لعدم طهارته فلتكن هذه المسألة نقلاً وفاكهة لأهل الإرادة ومن الله الوصول إلى أسباب السعادة ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ معطوف على يطاف أي : ليشرب عباد الله المخلصون في الجنة فيتحادثون على الشراب كما هو عادة الشرب في الدنيا فيقبل بعضهم على بعض حال كونهم يتساءلون عن الفضائل والمعارف وعما جرى عليهم ولهم في الدنيا وبالفارسية :(مى رسند از احوال دنيا وما جراى ايشان بادوست ودشمن) فالتعبير عنهم بصيغة الماضي للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتماً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وفي الآية إشارة إلى أن أهل الجنة هم الذين كانوا ممن لم يقبلوا على الله بالكلية وإن كانوا مؤمنين موحدين وإلا كانوا في مقعد صدق مع المقربين ﴿قَالَ قَآاـاِلٌ مِّنْهُمْ﴾ في تضاعيف محاوراتهم وأثناء مكالماتهم ﴿إِنِّى كَانَ لِى﴾ في الدنيا ﴿قَرِينٌ﴾ مصاحب وجليس وبالفارسية :(مرايارى وهمنشينى بود) ﴿يَقُولُ﴾ لي على
٤٦١
طريقة التوبيخ بما كنت عليه من الإيمان والتصديق بالبعث (آياتو) ﴿لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ المعتقدين والمقرين بالبعث ﴿أَءِذَا مِتْنَا﴾ (آيا ون بميريم) ﴿وَكُنَّا تُرَابًا﴾ (وخاك كرديم) ﴿وَعِظَـامًا﴾ (واستخوانهاى كهنة) ﴿أَءِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ جمع مدين من الدين بمعنى الجزاء ومنه كما تدين تدان أي : لمبعوثون ومحاسبون ومجزيون أي : لانبعث ولانجزى ﴿قَالَ﴾ أي : ذلك القائل بعدما حكى لجلسائه مقالة قرينه في الدنيا ﴿هَلْ أَنتُم﴾ (آياشما) ﴿مُّطَّلِعُونَ﴾ (الاطلاع : ديده ور شدن) أي : ناظرون إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين المكذب بالبعث يريد بذلك بيان صدقه فيما حكاه فقال جلساؤه : أنت أعرف به منا فاطلع أنت ﴿فَاطَّلَعَ﴾ عليه يعني :(فرونكيرد برايشان) ﴿فَرَءَاهُ﴾ أي : قرينه ﴿فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ في وسط جهنم وبالفارسية :(درميان آتش دوزخ) وسمي وسط الشيء سواء لاستواء المسافة منه إلى جميع الجوانب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما :"في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى أهل النار ويناظرونهم" لأن لهم في توبيخ أهل النار لذة وسروراً.
يقول الفقير : لا شك أن الجنة في جانب الأوج والنار في طرف الحضيض فلأهل الجنة النظر إلى النار وأهلها كما ينظر أهل الغرف إلى من دونهم وأما سرور وهم لعذابهم مع كونهم مؤمنين رحماء فلأن يوم القيامة يوم ظهور اسم المنتقم والقهار ونحوهما فكما أنهم في الدنيا رحماء بينهم أشداء على الكفار كذلك لا يرحمون الأعداء كما لا يرحمهم الله إذ لو رحمهم لأدخلهم الجنة نسأل الله ثوابه وجنته ﴿قَالَ﴾ أي : القائل مخاطباً لقرينه متشمتاً به حين رآه على صورة قبيحة ﴿تَاللَّهِ إِن﴾ أي : إن الشان ﴿كِدتَّ﴾ قاربت وبالفارسية :(بخداى كه نزديك توبودى كه) ﴿لَتُرْدِينِ﴾ (مراهلاك كردى وتباه) أي : لتهلكني بالإغواء والردى الهلاك والارداء الإهلاك وأصله ترديني بياء المتكلم فحذفت اكتفاء بالكسرة ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّى﴾ بالهداية والعصمة ﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ الإحضار لا يستعمل إلا في الشر كما في "كشف الأسرار" أي : من الذين أحضروا العذاب ما أحضرته أنت وأمثالك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّى﴾ حفظه وخصمته وهدايته ﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ معكم فيما كنتم فيه من الضلالة في البداية وفيما أنتم فيه من العذاب والبعد في النهاية وإنما أخبر الله تعالى عن هذه الحالة قبل وقوعها ليعلم أن غيبة الأشياء وحضورها عند الله سواء لا يزيد حضورها في علم الله شيئاً ولا ينقص غيبتها من علمه شيئاً سواء في علمه وجودها وعدمها بل كانت المعدومات في علمه موجودة :
برو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ رجوع إلى محاورة جلسائه بعد إتمام الكلام مع قرينه سروراً بفضل الله العظيم والنعيم المقيم فإن تذكر الخلود في الجنة لذة عظيمة والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام أي : أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي : بمن شأنه الموت ﴿إِلا مَوْتَتَنَا الاولَى﴾ (الدخان : ٥٦) التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الاحياء للسؤال قاله تصديقاً لقوله تعالى :﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى﴾ أي : لا نموت في الجنة أبداً سوى موتتنا الأولى في الدنيا ونصبها على المصدر من اسم الفاعل يعني إنه مستثني مفرغ معرب
٤٦٢