﴿إِذْ جَآءَ رَبَّهُ﴾ منصوب باذكر ﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الباء للتعدية أي : بقلب سليم من آفات القلوب بل من علاقة من دون الله مما يتعلق بالكونين ومعنى مجيئه به ربه إخلاصه له كأنه جاء به متحضناً إياه بطريق التمثيل وإلا فليس القلب مما ينقل من مكان إلى مكان حتى يجاء به ﴿إِذْ قَالَ﴾ الخ بدل من إذ الأولى ﴿لابِيهِ﴾ آزر بن باعر بن ناحور بن فالغ بن سالح بن ارفخشد بن سام بن نوح ﴿وَقَوْمِهِ﴾ وكانوا عبدة الأصنام ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾ استفهام إنكاري وتوبيخ أي : أي شيء تعبدون ﴿أَاـاِفْكًا ءَالِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ الإفك أسوء الكذب أي : أتريدون آلهة من دون الله إفكاً أي : للافك فقدم المفعول على الفعل للعناية ثم المفعول له على المفعول به لأن الأهم مكافحتهم بأنهم على أفك آلهتهم وباطل شركهم ﴿فَمَا ظَنُّكُم﴾ أي : أي شيء ظنكم فما مبتدأ خبره ظنكم ﴿بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أن يغفل عنكم أو لا يؤاخذكم بما كسبت أيديكم أي : لاظن فكيف القطع.
قال في "كشف الأسرار" :(دردل ابراهيم بود كه بتان ايشان را كيدى سازد تا حجت برايشان الزام كنند وآشكارا نمايد كه ايشان مبعودى را نشايند روزى در وياران وى كفتندكه اى ابراهيم بيا تا بحصرا بيرون شويم وبعيد كاه ما برويم) ﴿فَنَظَرَ﴾ ابراهيم ﴿نَظْرَةً فِى النُّجُومِ﴾ جمع نجم وهو الكوكب الطالع أي : في علمها وحسابها إذ لو نظر إلى النجوم أنفسها لقال إلى النجوم وكان القوم يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه واعتل في التخلف عن عيدهم أي : عن الخروج معهم إلى معبدهم ﴿فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ﴾.
قال في "المفردات" : السقم والسقم المرض المختص بالبدن والمرض قد يكون في البدن وفي النفس.
وقوله :﴿إِنِّى سَقِيمٌ﴾ فمن التعريض والإشارة به إما إلى ماض وإما إلى مستقبل وإما إلى قليل مما هو موجود في الحال إذ كان الإنسان لا ينفك من خلل يعتريه وإن كان لا يحس به ويقال مكان سقيم إذا كان فيه خوف انتهى.
وقال ابن عطاء : إني سقيم ممن مخالفتكم وعبادتكم الأصنام أو بصدد الموت فإن من في عنقه الموت سقيم وقد فوجىء رجل فاجتمع عليه الناس وقالوا : مات وهو صحيح فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه وأياً ما كان فلم يقل إلا على تأويل فإن العارف لا يقع في انهتاك الحرمة أبداً وكان ذلك من إبراهيم لذب عن دينه وتوسل إلى إلزام قومه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال عز الدين بن عبد السلام : الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام فإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان
٤٦٩
تحصيل ذلك المقصود مباحاً.
وواجب إن كان ذلك المقصود واجباً فهذا ضابطه.
وفي "الأسئلة المقحمة" : ومن الناس من يجوّز الكذب في الحروب لأجل المكيدة والخداع وإرضاء الزوجة والإصلاح بين المتهاجرين والصحيح أن ذلك لا يجوز أيضاً في هذه المواضع لأن الكذب في نفسه قبيح والقبيح في نفسه لا يصير حسناً باختلاف الصور والأحوال وإنما يجوز في هذه المواضع بتأويل وتعريض لا بطريق التصريح.
ومثاله يقول الرجل لزوجته : إذا كان لا يحبها كيف لا أحبك وأنت حلالي وزوجتي وقد صحبتك وأمثال هذه فأما إذا قال صريحاً بأني أحبك وهو يبغضها فيكون كذباً محضاً ولا رخصة فيه.
مثاله كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أراد النهضة نحو يمينه كان يسأل عن منازل اليسار ليشبه على العدو من أي : جانب يأتيه وأما إذا كان يقصد جانباً ويقول أمضي إلى جانب آخر فهذه من قبيلها انتهى.
وكان القوم يتطيرون من المريض فلما سمعوا من إبراهيم ذلك هربوا منه إلى معبدهم وتركوه في بيت الأصنام فريداً ليس معه أحد وذلك قوله تعالى :﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ فأعرضوا وتفرقوا عن إبراهيم ﴿مُدْبِرِينَ﴾ هاربين مخافة العدوى أي : السراية.
وقال بعضهم : إن المراد بالسقم هو الطاعون وكان أغلب الأسقام وكانوا يخافون العدوى.
يقول الفقير : المشهور إن الطاعون قد فشا في بني إسرائيل ولم يكن قبلهم إلا على رواية كما قال عليه السلام :"الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم" ﴿فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ﴾ أي : ذهب إليها في خفية وأصله الميل بحيلة من روغة الثعلب وهو ذهابه في خفية وحيلة.
قال في "القاموس" : راغ الرجل والثعلب روغاً وروغاناً مال وحاد عن الشيء.
وفي "تاج المصادر" :(الروغ والروغان : روباهى كردن) (والروغ : نهان سوى يزى شدن).
وفي "التهذيب" (الروغ والروغان : دستان كردن) ﴿فَقَالَ﴾ للأصنام استهزاء (ون ديد ايشانرا آراسته وخوانهاى طعام دريش ايشان نهاده) ﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ (آيا نمى خوريد ازين طعامها) وكانوا يضعون الطعام عند الأصنام لتحصل له البركة بسببها
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon