﴿مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ﴾ أي : ما تصنعون غير ناطقين بجوابي وبالفارسية :(يست شمارا كه سخن نمى كوييد ومرا جوابى ندهيد) ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ﴾ فمال مستعلياً عليهم حال كونه يضربهم ﴿ضَرْبَا بِالْيَمِينِ﴾ أو حال كونه ضارباً باليمين فالمصدر بمعنى الفاعل أي : ضرباً شديداً قوياً وذلك لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما وقوة الآلة تقتضي قوة الفعل وشدته.
وقيل : بالقوة والمتانة وعلى ذلك مدار تسمية الحلف باليمين لأنه يقوي الكلام ويؤكده.
وقيل بسبب الحلف وهو قوله :﴿وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم﴾ فلما رجعوا من عيدهم إلى بيت الأصنام وجدوها مكسورة يعني :(اره اره كشته) فسألوا عن الفاعل فظنوا أن إبراهيم عليه السلام فعله فقيل فائتوا به ﴿فَأَقْبَلُوا﴾ أي : توجه المأمورون بإحضاره ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى إبراهيم.
قال ابن الشيخ : إليه يجوز أن يتعلق بما قبله وبما بعده ﴿يَزِفُّونَ﴾ حال من واو أقبلوا أي : يسرعون من زفيف النعام وهو ابتداء عدوها.
قال في "المفردات" : أصل الزفيف في هبوب الريح وسرعة النعامة التي تخلط الطيران بالمشي وزفزف النعام إذا أسرع ومنه استعير زف العروس استعارة ما تقتضي السرعة لا لأجل مشيها ولكن
٤٧٠
للذهاب بها على خفة من السرور ﴿قَالَ﴾ أي : بعدما أتوا به وجرى بينهم وبينه من المحاورات ما نطق به قوله تعالى :﴿قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَـاذَا بِـاَالِهَتِنَا يا اإِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء : ٦٢) إلى قوله :﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـاؤُلاءِ يَنطِقُونَ﴾ (الأنبياء : ٦٥) ﴿أَتَعْبُدُونَ﴾ همزة الاستفهام للإنكار ﴿مَا تَنْحِتُونَ﴾ ما تنحتونه من الأصنام فما موصولة.
والنحت نحت الشجر والخشب ونحوهما من الأجسام وبالفارسية :(تراشيدن يعني آيامى رستيد آنه مى تراشيد از سنك ووب بدست خود) ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ﴾ حال من فاعل تعبدون مؤكدة للإنكار والتوبيخ أي : والحال أنه تعالى خلقكم والخالق هو الحقيق بالعبادة دون المخلوق ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي : وخلق ما تعملونه من الأصنام وغيرها فإن جواهر أصنامهم ومادتها بخلقه تعالى وشكلها وإن كان بفعلهم لكنه بأقدار الله تعالى إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد والأسباب فلم يلزم أن يكون الشيء مخلوقاًتعالى ومعمولاً لهم وظهر من فحوى الآية أن الأفعال مخلوقةتعالى مكتسبة للعباد حسبما قالته أهل السنة والجماعة وبالاكتساب يتعلق الثواب والعقاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال المولى الجامي :
فعل ماخواه زشت وخواه نكو
يك بيك هست آفريده او
نيك وبد كره مقتضاى قضاست
اين خلاف رضا وآن برضاست
﴿قَالُوا﴾ (كفت نمرود وخواص او).
وقال السهيلي في "التعريف" : قائل هذه المقالة لهم فيما ذكر الطبري اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك وهو الذي جاء في الحديث "بينا رجل يمشي في حلة يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" ﴿ابْنُوا لَه بُنْيَـانًا﴾ (بنا كنيد براى سوختن ابراهيم بنايى واز هيزم رساخته آتش دران زنيد).
ـ روي ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : بنوا حائطاً من حجر طوله في السماء ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وملأوه حطباً وأشعلوه ناراً وطرحوه فيها كما قال :﴿فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ﴾ في النار الشديدة الإيقاد وبالفارسية :(س طرح كنيد ودر افكنيد اورا در آتش سوزان) من الجحمة وهي شدة التأجج والالتهاب واللام عوض عن المضاف إليه أي : ذلك البنيان ﴿فَأَرَادُوا بِه كَيْدًا﴾ أي : شراً وهو أن يحرقوه بالنار عليه السلام لما قهر لهم بالحجة وألقمهم الحجر قصداً أن يكيدوا به ويحتالوا لإهلاكه كما كاد أصنامهم بكسره إياهم لئلا يظهر للعامة عجزهم والكيد ضرب من الاحتيال كما في "المفردات" ﴿فَجَعَلْنَـاهُمُ الاسْفَلِينَ﴾ الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً نيراً على علو شأنه عليه السلام بجعل النار عليه برداً وسلاماً على ما سبق تفصيل القصة في سورة الأنبياء.
فإن قلت لم ابتلاه تعالى بالنار في نفسه؟ قلت : لأن كل إنسان يخاف بالطبع من ظهور صفة القهر كما قيل لموسى عليه السلام ﴿وَلا تَخَفْا سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الاولَى﴾ (طه : ٢١) فأراه تعالى أن النار لا تضر شيئاً إلا بإذن الله تعالى وإن ظهرت بصورة القهر وصفته وكذلك أظهر الجمع بين المتضادين بجعلها برداً وسلاماً.
وفيه معجزة قاهرة لأعدائه فإنهم كانوا يعبدون النار والشمس والنجوم ويعتقدون وصف الربوبية لها فأراهم الحق تعالى أنها لا تضر إلا بإذن الله تعالى.
وقد ورد في الخبر "أن النمرود لما شاهد النار كانت على إبراهيم برداً وسلاماً قال : إن ربك لعظيم نتقرب إليه بقرابين فذبح تقرباً إليه
٤٧١
آلافاً كثيرة فلم ينفعه لإصراره على اعتقاده وعمله وسوء" حاله، قال المولى الجامي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
يافت ناكاه آن حكيمك راه
يش جمعى زاو لياء الله