وقال بعض أهل اللغة : الغلام من جاوز العشر وأما من دونها فصبي والحليم من لا يعجل في الأمور ويتحمل المشاق ولا يضطرب عند إصابة المكروه ولا يحركه الغضب بسهولة.
والمعنى بالفارسية :(س مده داديم اورا بفرزندى بردبار يعني ون ببلوغ رسد حليم بود) ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة إنه غلام وإنه يبلغ أوان الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم وإنه يكون حليماً أي : حلم يعادل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فاستسلم.
قال الكاشفي :(س خداى تعالى اسماعيل را ازهاجر بوى ارزانى داشت وبحكم سبحانه از زمين شام هاجر يسر آورده را بمكة برد واسماعيل آنجا نشو ونمايافت) ﴿فَلَمَّا بَلَغَ﴾ الغلام ﴿مَعَهُ﴾ مع إبراهيم ﴿السَّعْىَ﴾ الفاء فصيحة معربة عن مقدر أي : فوهبنا له فنشأ فلما بلغ رتبة أن يسعى معه في أشغاله وحوائجه ومصالحه ومعه متعلق بالسعي وجاز لأنه ظرف فيكفيه رائحة من الفعل لا يبلغ لاقتضائه بلوغهما معاً حد السعي ولم يكن معاً كذا في "بحر العلوم".
وتخصيصه لأن الأدب أكمل في الرفق والاستصلاح فلا نستسعيه قبل أوانه لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذٍ ثلاث عشرة سنة ﴿قَالَ﴾ إبراهيم : يا بُنَىَّ} (اى سرك من تصغير شفقت است)﴿إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ﴾ قرباناًتعالى أي : أرى هذه الصورة بعينها أو ما هذه عبارته وتأويله.
وقيل : إنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثمة سمي يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى فمن ثمة سمي يوم عرفة ثم رأى في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي اليوم يوم النحر ﴿فَانظُرْ مَاذَا﴾ منصوب بقوله :﴿تَرَى﴾ من الرأي فيما ألقيت إليك وبالفارسية :(س در نكر درين كاره يزى بيني رأى تو ه تقاضا ميكند) فإنما يسأله عما يبديه قلبه ورأيه أي : شيء هل هو الإمضاء أو التوقف فقوله ترى من الرأي الذي يخطر بالبال لا من رؤية العين وأنما شاوره فيه وهو أمر محتوم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله تعالى فتثبت قدمه إن جزع ويأمن إن سلم ويكتسب
٤٧٣
المثوبة عليه بالانقياد له قبل نزوله وتكون سنة في المشاورة.
فقد قيل لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك ﴿قَالَ يا اأَبَتِ افْعَلْ﴾ (كفت اى دربكن) ﴿مَا تُؤمَرُ﴾ (آنه فرموده شدى بدان) أي : ما تؤمر به فحذف الجار أولاً على القاعدة المطردة ثم حذف العائد إلى الموصول بعد انقلابه منصوباً بإيصاله إلى الفعل أو حذفاً دفعة أو افعل أمرك إضافة المصدر إلى المفعول وتسمية المأمور به أمراً وصيغة المضارع حيث لم يقل ما أمرت للدلالة على أن الأمر متعلق به متوجه إليه مستمر إلى حين الامتثال به ولعله فهم من كلامه أنه رأى ذبحه مأموراً به ولذا قال : ما تؤمر وعلم أن رؤيا الأنبياء حق وإن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon