ودل عليه ما في بعض المعتبرات أن الموجود من الأنبياء بأبدانهم العنصرية أربعة : اثنان في السماء إدريس وعيسى واثنان في الأرض الخضر وإلياس فإدريس وإلياس اثنان من حيث الهوية والتشخص.
وقال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل : إن إلياس هو إدريس أي : أخنوخ بن متوشلخ بن لمك وكان قبل نوح كما قالوا خمسة من الأنبياء لهم إسمان إلياس هو إدريس ويعقوب هو إسرائيل ويونس هو ذو النون وعيسى هو المسيح ومحمد هو أحمد صلوات الله عليهم أجمعين ووافقهم في ذلك بعض أكابر المكاشفين فعلى هذا معناه أن هوية إدريس مع كونها قائمة في أنيته وصورته في السماء الرابعة ظهرت وتعينت في أنية إلياس الباقي إلى الآن فتكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعين الصوري اثنتين كنحو جبرائيل وميكائيل وعزرائيل يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم وكذلك أرواح الكمل كما يروى عن قضيب البان الموصلي قدس سره أنه كان يرى في زمان واحد في مجالس متعددة مشتغلاً في كل بأمر غير ما في الآخر وليس معناه أن العين خلع الصورة الإدريسية ولبس الصورة الإلياسية وإلا لكان قولاً بالتناسخ ﴿إِذْ قَالَ﴾ أي : اذكر وقت قوله :﴿لِقَوْمِه أَلا تَتَّقُونَ﴾ أي : عذاب الله تعالى وبالفارسية :(آيانمى ترسيد از عذاب الهي) ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلا﴾ أتعبدونه أي : لا تعبدوه ولا تطلبوا منه الخير.
والبعل هو الذكر من الزوجين ولما تصور من الرجل استعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها شبه كل مستعل على غيره به فسمي باسمه فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا لاعتقادهم ذلك.
فالبعل اسم صنم كان لأهل بك من الشام وهو البلد المعروف اليوم ببعلبك وكان من ذهب طوله عشرون ذراعاً وله أربعة أوجه وفي عينيه ياقوتتان كبيرتان فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياءه فكان الشيطان يدخل جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس ﴿وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَـالِقِينَ﴾ وتتركون عبادته ﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَآاـاِكُمُ الاوَّلِينَ﴾ بالنصب على البدلية من أحسن الخالقين والتعرض لذكر ربوبيته تعالى لآبائهم للإشعار ببطلان آرائهم أيضاً.
ثم إن الخلق حقيقة في الاختراع والإنشاء والإبداع ويستعمل أيضاً بمعنى التقدير والتصوير وهو المراد به ههنا لأن الخلق بمعنى الاختراع لا يتصور من غير الله حتى يكون هو أحسنهم كما قال الراغب.
إن قيل قوله :﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ (المؤمنون : ١٤) يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق.
قيل ذلك معناه أحسن المقدرين أو يكون على تقدير ما كانوا يعبدون ويزعمون أن غير الله يبدع فكأنه قيل : وهب أن ههنا مبدعين وموجودين فالله تعالى أحسنهم إيجاداً على ما يعتقدون كما قال خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وعبد الخالق عند الصوفية المتحققين
٤٨١
هو الذي يقدر الأشياء على وفق مراد الحق لتجليه له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر إلا بتقديره له تعالى.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : إذا بلغ العبد في مجاهدة نفسه بطريق الرياضة في سياستها وسياسة الخلق مبلغاً ينفرد فيه باستنباط أمور لم يسبق إليها ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود قبل إذ يقال لواضع الشطرنج إنه الذي وضعه واخترعه حيث وضع ما لم يسبق إليه انتهى.