يقول الفقير : إن بعض الكمل كانوا يتركون في مكانهم بدلاً منهم على صورتهم وشكلهم ويكونون في أكنة في آن واحد كما روي عن قضيب البان فيما سبق فهو من أسرار هذا المقام لأنه إنما يقدر عليه بعد المظهرية للاسم الخالق والوصول إلى سره فاعرف واكتم وصن وصم ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أي : إلياس ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ بسبب تكذيبهم إياه ﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ لمدخلون في النار والعذاب لا يغيبون منها ولا يخفف عنهم كقوله :﴿وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفاً ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء متصل من فاعل كذبوه.
وفيه دلالة على أن من قومه من لم يكذبه ولم يحضر في العذاب وهم الذين أخلصهم الله تعالى بتوفيقهم للإيمان والعمل بموجب الدعوة والإرشاد ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ﴾ وأبقينا على إلياس ﴿فِى الاخِرِينَ﴾ من الأمم ﴿سَلَـامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ أي : هذا الكلام بعينه فيدعون له ويثنون عليه إلى يوم القيامة وهو لغة في إلياس كسيناء في سينين فإن كل واحد من طور سيناء وطور سينين بمعنى الآخر زيد في أحدهما الياء والنون فكذا إلياس وإلياسين وقرىء بإضافة آل إلى ياسين لأنهما في المصحف مفصولان فيكون ياسين أبا إلياس والآل هو نفس الياس ﴿إِنَّا كَذَالِكَ﴾ مثل هذا الجزاء الكامل ﴿نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ﴾ إحساناً مطلاقاً ومن جملتهم إلياس ﴿أَنَّهُ﴾ لا شبهة إن الضمير لإلياس فيكون إلياس وإلياسين شخصاً واحداً وليس الياسين جمع إلياس كما دل عليه ما قبله من قوله :﴿سَلَـامٌ عَلَى نُوحٍ﴾ (الصافات : ٧٩) ﴿سَلَـامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الصافات : ١٠٩) ﴿سَلَـامٌ عَلَى مُوسَى وَهَـارُونَ﴾ (الصافات : ١٢٠) ﴿مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قال الكاشفي :(ايمان اسميست من جميع كمالات صوري ومعنوي ونام بندكى بتشريفيست خاص ازبراى اهل اختصاص) :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
اكر بنده خويش خوانى مرا
به از مملكت جاودانى مرا
شهانى كه با بخت فرخنده اند
همه بندكان ترا بنده اند
ـ روي ـ أنه بعث بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل ثم لما قبض الله حزقيل النبي عظمت الأحداث في بني إسرائيل ونسوا عهد الله وعبدوا الأوثان وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة وبنو إسرائيل كانوا متفرقين بأرض الشام وكان سبط منهم حلوا ببعلبك ونواحيها من أرض الشام وهم السبط الذين كان منهم الناس فلما أشركوا وعبدوا الصنم المذكور وتركوا العمل بالتوراة بعث الله إلياس إليهم نبياً وتبعه يسع بن أخطوب وآمن به وكان على سبط إلياس ملك اسمه أجب وكان له امرأة يقال لها أزبيل يستخلفها على رعيته إذا غاب عنهم وكانت تبرز للناس وتقضي بينهم وكانت قتالة للأنبياء والصالحين يقال : إنها هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام وقد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل وقتلتهم كلهم غيلة وكانت معمرة يقال إنها ولدت سبعين ولداً وكان لزوجها
٤٨٢
أجب جار صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش منها في جنب قصرهما فحسدته في ذلك حتى إذا خرج الملك إلى سفر بعيد أمرت جمعاً من الناس أن يشهدوا على مزدكى أنه سب زوجها أجب فأطاعوها فيه وكان في حكم ذلك الزمان يحل قتل من سبب الملك إذا قامت عليه البينة فأحضرته فقالت له : بلغني أنك شتمت الملك فأنكر فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فأمرت بقتله وأخذت جنينة غصباً ثم لما قدم الملك أوحى الله إلى إلياس أن يخبرهما بأن الله قد غضب عليهما لوليه مزدكى حين قتلاه ظلماً وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة على ورثة مزدكى أن يهلكهما في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين حتى تتعرى عظامهما من لحومهما فلما سمعا ذلك اشتد غضبهما إلى الياس ولم يظهر منهما ولا من قومهما إلا المخالفة والعصيان والإصرار إلى أن همّ الملك بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر خرج من بينهم لأن الفرار مما لا يطاق من سسن المرسلين وارتقى إلى أصعب جبل وأرفعه فدخل مغارة فيه يقال أنه بقي فيها سبع سنين يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون والله تعالى ستره كما وقع مثله لأصحاب الكهف فلما طال عصيانهم دعا عليهم بالقحط والجوع سبع سنين فقال الله تعالى : يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك وإن كانوا ظالمين ولكن أعطيك مرادك ثلاث سنين فقحطوا بتلك المدة فلم يقلعهم ذلك عن الشرك ولما رأى ذلك منهم إلياس دعا الله تعالى بأن يريحه منهم فقيل له : اخرج يوم كذا إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه فخرج إلياس في ذلك اليوم ومعه خادمه أليسع فوصل الموضع الذي أمر فاستقبله فرس من نار وجميع الآلة من النار حتى وقف بين يديه فركب عليه فانطلق به الفرس إلى جانب السماء فناداه أليسع ما تأمرني فقذف إليه إلياس بكسائه من الجو الأعلى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤