﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا﴾ التدمير إدخال الهلاك على الشيء أي : أهلكنا ﴿الاخِرِينَ﴾ بالائتفاك بهم وإمطار الحجارة عليهم فإنه تعالى لم يرض بالائتفاك حتى اتبعه مطراً من حجارة وبالفارسية :(س هلاج كردم ديكرانرا از قوم وى وديار ايشان وقتى زير وزبر ساختيم) فإن في ذلك شواهد على جلية أمره وكونه من جملة المرسلين وتقدم ذكر قصته في سورة هود والحجر فارجع ﴿وَإِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِم﴾ أي : على ديار قوم لوط المهلكين ومنازلهم في متاجركم إلى الشام وتشاهدون آثار هلاكهم فإن سدوم في طريق الشام وهو قوله تعالى :﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾ (الحجر : ٧٦) ﴿مُّصْبِحِينَ﴾ حال من فاعل تمرون أي : حال كونكم داخلين في الصباح ﴿وَبِالَّيْلِ﴾ أي : وملتبسين بالليل أي : مساء ولعلها وقعت بقرب منزل يمر به المرتحل عنه صباحاً والقاصد له مساء ويجوز أن يكون المعنى نهاراً وليلاً على أن يعمم المرور للأوقات كلها من الليل والنهار ولا يخصص بوقتي الصباح والمساء ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أي : أفتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به وتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم فإن من قدر على إهلاك أهل سدوم واستئصالهم بسبب كفرهم وتكذيبهم كان قادراً على إهلاك كفار مكة واستئصالهم لاتحاد السبب ورحجانه لأنهم أكفر من هؤلاء وأكذب كما يشهد به قوله :﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أولئكم﴾ (القمر : ٤٣) وكان النبي عليه السلام يقول لأبي جهل "إن هذا أعتى على الله من فرعون".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
فعلى العاقل أن يعتبر ويؤمن بوحدانية الحق ويرجع إلى أبواب فضله وكرمه ورحمته ويؤدب عجوز نفسه الأمارة ويحملها على التسليم والامتثال كي لا تهلك مع أهل القهر والجلال.
قال بعض الكبار : لا بد من نصرة لكل داخل طريق أهل الله عز وجل ثم إذا حصلت فإما أن يعقبها رجوع إلى الحال الأول من العبادة والاجتهاد وهم أهل العناية الإلهية وإما أن لا يعقبها رجوع فلا يفلح بعد ذلك أبداً انتهى أي : فيكون كالمصر على ذنبه ابتداء وانتهاء.
ثم إن الله تعالى ركب العقل في الوجود الإنساني ومن شأنه أن يرى ويختار أبداً الأصلح والأفضل في العواقب وإن كان على النفس في المبدأ مؤونة ومشقة وأما الهوى فهو على ضد ذلك فإنه يؤثر ما يدفع به المؤذي في الوقت وإن كان يعقبه مضرة من غير نظر منه في العواقب كالصبي الرمد الذي يؤثر أكل الحلاوات واللعب في الشمس على أكل الاهليلج والحجامة ولهذا قال النبي عليه السلام :"حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات".
تو بركره توسنى در كمر
نكر تانيد زحكم توسر
اكر الهنك از كفت در كسيخت
تن خويشتن كشت وخونت بريخت
ففيه إشارة إلى فكر العواقب.
وجاء في الأمثال (وقتى زنبورى مورى را ديدكه بهزار حيله دانه بخانه ميكشيد ودران رنج بسيارى ديد اورا كفت اى مور اين ه رنجست كه برخود نهاده واين ه بارست كه اختيار كرده بيا مطعم ومشرب من ببين كه هر طعام كه
٤٨٥
لطيف ولذيذ ترست تا ازمن زياده نيايد بادشاهان نرسد هر آنجاكه خواهم كزينم وخورم درين سخن بودكه برريد وبدكان قصابى برمسلوخى نشست قصاب كاردكه دردست داشت بران زنبور مغرور زد ودوياره كرد وبرزمين انداخت ومور بيامد واى كشان اورامى برد وكفت "رب شهوة ساعة أورثت صاحبها حزناً طويلاً" زنبور كفت مرا بجايى مبركه نخواهم مور كفت هركه از روى حرص وشهوت جايى نشيندكه خواهد بجايى كشندش كه نخواهد) نسأل الله أن يوفقنا لإصلاح الطبيعة والنفس ويجعل يومنا خيراً من الإمس في التوجه إلى جنابه والرجوع إلى بابه إنه هادى القلوب الراجعة في الأوقات الجامعة ومنه المدد كل يوم لكل قوم ﴿وَإِنَّ يُونُسَ﴾ ابن متى بالتشديد وهو اسم أبيه أو أمه.
وفي "كشف الأسرار" اسم أبيه متى واسم أمه تنجيس كان يونس من أولاد هود كما في "أنوار المشارق" وهو ذو النون وصاحب الحوت لأنه التقمه.
وأما ذو النون المصري من أولياء هذه الأمة فقيل : إنما سمي به لأنه ركب سفينة مع جماعة فقد واحد منهم ياقوتاً فلم يجده فآل رآيهم إلى أن هذا الرجل الغريب قد سرقه فعوتب عليه فأنكر الشيخ فحلف فلم يصدقوه بل أصروا على أنه ليس إلا فيه فلما اضطر توجه ساعة فأتى جميع الحوت من البحر في فيها يواقيت فلما رأوا ذلك اعتذروا عن فعلتهم فقام وذهب إلى البحر ولم يغرق بإذن الله تعالى فسمي ذا النون.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إلى بقية ثمود وهم أهل نينوى بكسر النون الأولى وفتح الثانية وقيل بضمها قرية على شاطىء دجلة في أرض الموصل.


الصفحة التالية
Icon