من قطن بالمكان إذا أقام به كاشتقاق الينبوع من نبع فهو موضوع لمفهوم كلي متناول للقرع والبطيخ والقثاء ونحوها مما كان ورقه كله منبسطاً على وجه الأرض ولم يقم على ساق واحدته يقطينة.
وفي "القاموس" اليقطين ما لا ساق له من النبات ونحوه وبهاء القرعة الرطبة انتهى أطلق هنا على القرع استعمالاً للعام في بعض جزئياته.
قال ابن الشيخ : ولعل إطلاق اسم الشجرة على القرع مع أن الشجر في كلامهم اسم لكل نبات يقوم على ساقه ولا ينبسط على وجه الأرض مبني على أنه تعالى أنبت عليه شجرة صارت عريشاً لما نبت تحتها من القرع بحيث استولى القرع على جميع أغصانها حتى صارت كأنها شجرة من يقطين وكان هذا الإنبات كالمعجزة ليونس فاستظل بظلها وغطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليها كما يقع على سائر العشب وكان يونس حين لفظه البحر متغيراً يؤلمه الذباب فسترته الشجرة بورقها.
قيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إنك تحب القرع قال :"أجل هي شجرة أخي يونس" وعن أبي يوسف لو قال رجل : إن رسول الله كان يحب القرع مثلاً فقال الآخر أنا لا أحبه فهذا كفر يعني : إذا قاله على وجه الإهانة والاستخفاف وإلا فلا يكفر على ما قاله بعض المتأخرين.
وروي أنه تعالى قيض له أروية وهي الأنثى من الوعل تروح عليه بكرة وغشية فيشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره وعادت قوته
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿وَأَرْسَلْنَـاهُ إِلَى مِا ئَةِ أَلْفٍ﴾ هم قومه الذين هرب منهم المراد إرساله السابق وهو إرساله إليهم قبل أن خرج من بينهم والتقمه الحوت.
أخبر أولاً بأنه من المرسلين على الإطلاق ثم أخبر بأنه قد أرسل إلى مائة ألف جمة وكان توسيط تذكير وقت هربه إلى الفلك وما بعده بينهما لتذكير سببه وهو ما جرى بينه وبين قومه من إنذاره إياهم عذاب الله وتعيينه لوقت حلوله وتعللهم وتعليقهم لإيمانهم بظهور إمارته ليعلم أن إيمانهم الذي سيحكى بعد لم يكن عقيب الإرسال كما هو المتبادر من ترتب الإيمان عليه بالفاء بل بعد اللتيا والتي ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ أي : في مرأى الناظر فإنه إذا نظر إليهم قال : إنهم مائة ألف أو يزيدون عليها عشرين ألفاً أو ثلاثين أو سبعين فأو التي للشك بالنسبة إلى المخاطبين إذ الشك على الله محال والغرض وصفهم بالكثرة وهذا هو الجواب عن كل ما يشبه هذا كقوله :﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ (المرسلات : ٦) ﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه : ٤٤) ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ (طه : ١١٣) وغير ذلك ﴿فَـاَامَنُوا﴾ أي : بعدما شاهدوا علائم حلول العذاب إيماناً خالصاً ﴿فَمَتَّعْنَـاهُمْ﴾ أي : بالحياة الدنيا وأبقيناهم ﴿إِلَى حِينٍ﴾ قدره الله سبحانه لهم وهذا كناية عن رد العذاب عنهم وصرف العقوبة.
ـ روي ـ أن يونس عليه السلام نام يوماً تحت الشجرة فاستيقظ وقد يبست فخرج من ذلك العراء ومر بجانب مدينة نينوى فرأى هنالك غلاماً يرعى الغنم فقال له من أنت يا غلام فقال من قوم يونس قال فإذا رجعت إليهم فاقرأ عليهم مني السلام وأخبرهم إنك قد لقيت يونس ورأيته فقال الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أن من يحدث ولم يكن له بينة قتلوه وكان في شرعهم أن من كذب قتل فمن يشهد لي فقال له يونس تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة فقال الغلام ليونس : مرهما بذلك فقال لهما : إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا نعم فرجع الغلام إلى قومه فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس وهو
٤٨٩
يقرأ عليكم السلام فأمر الملك أن يقتل فقال : إن لي بينة فأرسل معه جماعة فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام أنشدكما الله عز وجل أي : أسألكما بالله تعالى هل أشهدكما يونس؟ قالتا : نعم فرجع القوم مذعورين فأتوا الملك فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فأجلسه في منزله وقال له : أنت أحق مني بهذا المقام والملك فأقام بهم الغلام أربعين سنة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
ـ روي ـ في بعض التفاسير : أن قومه آمنوا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى يونس لأن النبي إذا هاجر لم يرجع إليهم مقيما فيهم.


الصفحة التالية
Icon