تنزهاً لائقاً بجنابه ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ به من الولد والنسب أو نزهوه تنزيهاً عن ذلك أو ما أبعد وما أنزه من هؤلاء خلقه وعبيده عما يضاف إليه من ذلك فهو تعجب من كلمتهم الحمقاء وجعلتهم العوجاء ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء منقطع من الواو في يصفون أي : يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصين الذين أخلصهم الله بلطفه من ألواث الشكوك والشبهات ووفقهم للجريان بموجب اللب برءاء من أن يصفوه به.
وجعل أبو السعود قوله سبحان الله عما يصفون بتقدير قول معطوف على علمت الملائكة أن المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون به من الولد والنسب لكن عباد الله المخلصين الذين نحن من جملتهم برءاء من ذلك الوصف بل نصفه بصفات العلى فيكون المستثنى أيضاً من كلام الملائكة ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ أيها المشركون عود إلى خطابهم لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ومعبوديكم وهم الشياطين الذين أغووهم ﴿مَآ أَنتُمْ﴾ ما نافية وأنتم خطاب لهم ولمعبوديهم تغليباً للمخاطب على الغائب ﴿عَلَيْهِ﴾ الضميروعلى متعلقة بقوله :﴿بِفَـاتِنِينَ﴾ الفاتن هنا بمعنى المضل والمفسد يقال فتن فلان على فلان امرأته أي : أفسدها عليه وأضلها حاملاً إياها على عصيان زوجها فعدى الفاتن بعلى لتضمينه معنى الحمل والبعث.
والمعنى ما أنتم بفاتنين أحداً من عباده أي : بمضلين ومفسدين بحمله على المعصية والخلاف فمفعول فاتنين محذوف ﴿إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ منهم أي : داخلها لعلمه تعالى بأنه يصر على الكفر بسوء اختياره ويصير من أهل النار لا محالة فيضلون بتقدير الله من قدر الله أن يكون من أهل النار وأما المخلصون منهم فإنهم بمعزل عن إفسادهم وإضلالهم فهم لا جرم برءاء من أن يفتنوا بكم ويسلكوا مسلككم في وصفه تعالى بما وصفتموه به.
قوله صال بالكسر أصله صالي على وزن فاعل من الصلي وهو الدخول في النار يقال صلي فلان النار يصلى صلياً من الباب الرابع دخل فيها واحترق فاعل كقاض فلما أضيف إلى الجحيم سقط التنوين وأفرد حملاً على لفظ من.
واحتج أهل السنة والجماعة بهذه الآية وهي قوله :﴿فَإِنَّكُمْ﴾ الخ على أنه لا تأثير لإلقاء الشيطان ووسوسته ولا لأحوال معبودهم في وقوع الفتنة وإنما المؤثر هو قضاء الله وتقديره وحكمه بالشقاوة ولا يلزم منه الجبر وعدم لوم الضال والمضل بما كسبا لما أشير إليه من أنهم لا يقدرون على إضلال أحد إلا إضلال من علم الله منه اختيار الكفر والإصرار عليه وعلم الله وتقديره وقضاؤه فعلاً من أفعال المكلفين لا ينافي اختيار العبد وكسبه.
هركه در فعل خود بود مختار
فعل او دور باشد از اجبار
بهر آن كرد امر ونهي عباد
تاشود ظاهر انقياد وعناد
زايد از انقياد حب ورضا
وزخلاف وعناد سوء قضا
س بود امر ونهي شرط ظهور
فعلها را ز بنده مأمور
﴿وَمَا مِنَّآ﴾ حكاية اعتراف الملائكة للرد على عبدتهم كأنه قيل ويقول الملائكة الذين جعلتموهم بنات الله وعبدتموهم بناء على ما زعمتم من أن بينهم وبينه تعالى مناسبة وجنسية
٤٩٤
جامعة وما منا أحد أي : ملك على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه فالموصوف المقدر في الآية مبتدأ وقوله :﴿إِلا لَه مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ صفة وما منا مقدم خبره أي : أحد استثنى منه من له مقام معلوم ليس منا يعني لكل واحد منا مرتبة في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم مقصور عليها لا يتجاوزها ولا يستطيع أن ينزل عنها قدر ظفر خضوعاً لعظمته وخشوعاً لهيبته وتواضعاً لجلاله كما روى فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه.
ففيه تنبيه على فساد قول المشركين أنهم أولاد الله لأن مبالغتهم في إظهار العبودية تدل على اعترافهم بالعبودية فكيف يكون بينه تعالى وبينهم جنيسة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال ابن عباس رضي الله عنهما ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح" بل والعالم مشحون بالأرواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية إلا وهو معمور بما لا يعلمه إلا الله ولذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالتستر في الخلوة وأن لا يجامع الرجل امرأته عريانين.
وقال السدي :﴿إِلا لَه مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ في القربة والمشاهدة.
وقال أبو بكر الوراق قدس سره :﴿إِلا لَه مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ يعبد الله عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضى يعني :(مراد مقامات سنيه است ون خوف ورجا ومحبت ورضاكه هريك از مقربان حظائر ملكوت ومقدسان صوامع جبرون در مقامى ازان ممكن اند).