يقول الفقير : أراد الحسن المأمور بالحرب منصور لا محالة بخلاف غير المأمور وهو التوفيق بين قوله تعالى :﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّانَ﴾ (آل عمران : ٢١) ونظائره وبين هذه الآية وأمثالها.
والحاصل أن المؤمنين المخلصين هم المنصورون والغالبون لأن المستند إلى المولى الغالب العزيز هو المنصور المظفر الغالب القاهر وأعداءهم هم المنهزمون المغلوبون لأن المستند إلى غير الله خصوصاً إلى الحصون والقلاع المبنية من الأحجار هو المنهزم المدمر المغلوب المقهور :
تكيه بر غير بود جهل وهوى
نيست آنجام اعتماد سوى
ثم إن جنده تعالى هم مظاهر اسمه العزيز والمنتقم ومظاهر قوله :﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَـاطِلِ فَيَدْمَغُه فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (الأنبياء : ١٨).
وفي "التأويلات النجمية" : جنده الذين نصبهم لنشر دينه وأقامهم لنصر الحق وتبيينه فمن أراد إذلالهم فعلى أذقانه يخرّ.
والجند كما ورد في الحديث :"جندان جند الوغى وجند الدعاء" فلا بد لجند الوغي من عمل الوغي وشغل الحرب ولجند الدعاء من عمل الدعاء وشغل الأدب فمن وجد في قلبه الحضور واليقظة فليطمع في الإجابة ومن وجد الفتور والغفلة فليخف عدم الإصابة :
كى دعاى تو مستجاب شود
كه بيك روى دردو محرابى
وفي الحديث :"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم" أي عاداهم "حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال" ولا شك أن الملوك العثمانية خاتمة هذه الطائفة وعيسى والمهدي عليهما السلام خاتمة الخاتمة والصيحة الواحدة الآخذة كل من بقي على الأرض عند قيام الساعة من الكفرة الفجرة خاتمة خاتمة الخاتمة ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي إذا علمت أن النصرة والغلبة لك ولأتباعك فأعرض عن كفار مكة واصبر على أذاهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ أي مدة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال فالآية محكمة لا منسوخة بآية القتال ﴿وَأَبْصِرْهُمْ﴾ على أسوء حال وأفظع نكال حل بهم من القتل والأسر والمراد بالأمر بأبصارهم الإيذان بغاية قربه كأنه بين يديه يبصره في الوقت وإلا فمتعلق الأبصار لم يكن حاضراً عند الأمر ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ما يقع حينئذٍ من الأمور.
وفي "التأويلات" : وأبصر أحوالهم فسوف يبصرون جزاء ما عملوا من الخير والشر انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وسوف للوعيد ليتوبوا ويؤمنوا دون التبعيد لأن تبعيد الشيء المحذر منه كالمنافي لإرادة التخويف به ولما نزل ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ قالوا استعجالاً واستهزاء لفرط جهلهم متى هذا فنزل قوله تعالى :﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي أبعد هذا التكرير من الوعيد يستعجلون بعذابنا والهمزة للإنكار والتعجب يعني تعجبوا من هذا الأمر المستنكر وبالفارسية :(آيا بعذاب ما شتاب ميكنند ووقت نزول آن مى رسند).
وفي التوراة "أبي يغترون أم عليّ يجترئون؟" يعني :(بمهلت دادن وفراكذشتن من فريفته شوند يا بر من ديرى كنند ونمى ترسند) ﴿فَإِذَا نَزَلَ﴾ العذاب الموعود ﴿بِسَاحَتِهِمْ﴾.
٤٩٨
قال في "المفردات" : الساحة المكان الواسع ومنه ساحة الدار انتهى.
وفي "حواشي" ابن الشيخ الساحة الفناء الخالي عن الأبنية وفناء الدار بالكسر ما امتد من جوانبها معداً لمصالحها وبالفارسية :(يشكاه منزل) والمعنى بفنائهم وقربهم وحضرتهم كأنه جيش قد هزمهم فأناخ بفنائهم بغتة ﴿فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾ فبئس صباح المنذرين صباحهم أي صباح من أنذر بالعذاب وكذبه فلم يؤمن واللام للجنس فإن أفعال المدح والذم تقتضي الشيوع والإبهام والتفصيل فلا يجوز أن تكون للعهد.
والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت منهم الإغارة في الصباح سموها صباحاً وإن وقعت ليلاً.
قال الكاشفي :(آورده اندكه درميان عرب قتل وغارت واسر بسيار بود هر لشكركه قصد قبيله داشتندى شب همه شب راه يموده وقت سحر كه خواب كرانيست بحواله ايشان آمدندى ودست بقتل وغارت واسر وتاراج بر كشاده قوم را مستأصل كردندى وبدين سبب كه اغلب غارت در صباح واقع مى شد غارت را صباح نام نهادند وهرند دروقتى ديكر وقوع يافتى همان صباح كفتندى) ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد غب تأكيد مع ما في إطلاق الفعلين عن المفعول من الإيذان بأن ما يبصره عليه السلام من فنون المسار وما يبصرون من أنواع المضار لا يحيط به الوصف والبيان.
وفي "البرهان" حذف الضمير من الثاني اكتفاء بالأول ﴿سُبْحَـانَ رَبِّكَ﴾
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤