خطاب للنبي عليه السلام وقوله :﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ بدل من الأول ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي نزه يا محمد من هو مربيك ومكفلك ومالك العزة والغلبة على الإطلاق عما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه من الأولاد والأزواج والشركاء وغير ذلك من الأشياء التي من جملتها ترك نصرتك عليهم كما يدل عليه استعجالهم بالعذاب.
قال في "بحر العلوم" : أضاف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذي العزة كقولك صاحب صدق لاختصاصه بالصدق فلا عزة إلا له على أن العزة ذاتية أو لمن أعزه من الأنبياء وغيرهم فالعزة حادثة كائنة بين خلقه وهي وإن كانت صفة قائمة بغيره تعالى إلا أنها مملوكة له مختصة به يضعها حيث يشاء كما قال تعالى :﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ﴾ (آل عمران : ٢٦) وفيه إشعار بالسلوب والإضافات كما في قوله تعالى :﴿تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَـالِ وَالاكْرَامِ﴾ (الرحمن : ٧٨) وذلك أن قوله سبحان إشارة إلى السلوب كالجلال فإن كل منهما يفيد ما أفاد الآخر في قولنا سبحان ربنا عن الشريك والشبيه وجل ربنا عنهما.
وقوله ربك رب العزة إشارة إلى الإضافات كالإكرام وإنما قدم السلب على الإضافة لأن السلوب كافية فيها ذاته من حيث هو هو بخلاف الإضافات فإنه لا بد من تحققها من غيره لأن الإضافة لا توجد إلا عند وجود المضافين.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام سبحان الله كلمة مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته فما كان من أسمائه سلباً فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذي سلم من كل آفة فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه.
ثم إن المرسلين لما كانوا وسائط بين الله وبين عباده نبه على علو شأنهم بقوله :﴿وَسَلَـامٌ﴾ وسلامة ونجاة من كل المكاره وفوز
٤٩٩
بجميع المآرب ﴿عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ الذين يبلغون رسالات الله إلى الأمم ويبينون لهم ما يحتاجون إليه من الأمور الدينية والدنيوية أولهم آدم وآخرهم محمد عليهم السلام فهو تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم فيما سبق لأن تخصيص كل واحد بالذكر يطول وفي الحديث "إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين فإنما أنا أحدهم" كما في "فتح الرحمن" و"حواشي" ابن الشيخ وغيرهما وفي الحديث "إذا صليتم عليّ فعمموا" أي للآل والأصحاب.
قال في "المقاصد الحسنة" : لم أقف عليه بهذا اللفظ ويمكن أن يكون بمعنى صلوا عليّ وعلى أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني انتهى
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾.
قال الشيخ عز الدين : الحمدكلمة مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته تعالى فما كان من أسمائه متضمناً للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحتها فأثبتنا بالحمدكل كمال عرفناه وكل جلال أدركناه.
قال المولى أبو السعود : هذا إشارة إلى وصفه تعالى بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه بجميع صفاته السلبية وإيذان باستتباعها للأفعال الجميلة التي من جملتها إفاضته عليهم من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية وأسباغه عليهم وعلى من اتبعهم من فنون النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى وإشعار بأن ما وعده من النصرة والغلبة قد تحقق.
والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه وتحميده والتسليم على رسله الذين هم وسائط بينهم وبينه عز وجل في فيضان الكمالات الدينية والدنيوية عليهم ولعل توسط التسليم على المرسلين بين تسبيحه تعالى وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده مع ما فيه من الإشعار بأن توفيقه عليهم من جملة نعمه الموجبة للحمد انتهى.
وقال بعضهم : والحمدعلى إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين وعلى كل حال يعني هو المحمود في كل من الحالات ساء أم سرّ نفع أم ضرّ :
در بلا ودر ولا الحمد خوان
اين بود آيين اك عاشقان
وعن علي رضي الله تعالى عنه : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك الخ.
وفي بعض النسخ من أحب أن يكال له وإليه الإشارة بقوله الكاشفي :(هركه دوست ميداردكه برو يمايند مزد ثواب را به يمانه بزركتر بايدكه آخر كلام او از مجلس اين آيت باشد).
يقول الفقير : أصلحه الله القدير فللمؤمن أن يتدارك حاله بشيئين قبل أن يقوم من مجلسه أحدهما يجلب الأجر الجزيل وهو بالآية المذكورة.
والثاني بالكفارة وهو بما أشار إليه النبي عليه السلام وقوله :"من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقد غفر له" يعني من الصغائر ما لم يتعلق بحق آدمي كالغيبة كما في شرح الترغيب المسمى "بفتح القريب" فعلى العاقل أن لا يغفل في مجلسه بل يذكر ربه لأنسه ويختمه بما هو من باب التخلية والتحلية والتصفية والتجلية وآخر دعواهم أن الحمدرب العالمين.
٥٠٠
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤