﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ أي : وبعض الناس فهذا مبتدأ خبره قوله ﴿مَن يَشْتَرِى﴾ الاشتراء دفع الثمن وأخذ المثمن والبيع دفع المثمن وأخذ الثمن وقد يتجوز بالشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء فالمعنى ههنا يستبدل ويختار ﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ وهو ما يلهي عما يعني من المهمات كالأحاديث التي لا أصل لها.
والأساطير التي لا اعتداد بها والأضاحيك وسائر ما لا خير فيه من الكلام.
والحديث يستعمل في قليل الكلام وكثيره لأنه يحدث شيئاً فشيئاً.
قال أبو عثمان رحمه الله : كل كلام سوى كتاب الله أو سنة رسوله أو سبرة الصالحين فهو لهو.
وفي "عرائس البيان" : الإشارة فيه إلى طلب علوم الفلسفة من علم الأكسير والسحر والنير نجات وأباطيل الزنادقة وترهاتهم لأن هذه كلها سبب ضلالة الخلق.
وفي "التأويلات النجمية" : ما يشغل عن الله ذكره ويحجب عن الله سماعه فهو لهو الحديث.
والإضافة بمعنى من التبيينية إن أريد بالحديث المنكر لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره فأضيف العام إلى الخاص للبيان كأنه قيل : من يشتري اللهو الذي هو الحديث وبمعنى من التبعيضية إن أريد به الأعم من ذلك كأنه قيل : من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه.
وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة (مردى كافر دل وكافر كيش بود سخت خصومت بارسول خدا كرد) قتله رسول الله صبراً حين فرغ من وقعة بدر.
ـ روي ـ أنه ذهب إلى فارس تاجراً فاشترى كليلة ودمنة وأخبار رستم واسفنديار وأحاديث الأكاسرة فجعل يحدث بها قريشاً في أنديتهم ولعلها كانت مترجمة بالعربية ويقول إن محمداً يحدثكم بعاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فيكون الاشتراء على حقيقته بأن يشتري بماله كتباً فيها لهو الحديث وباطل الكلام ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس ويصرفهم ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي : دينه الحق الموصل إليه أو ليضلهم ويمنعهم بتلك الكتب المزخرفة عن قراءة كتابه الهادي إليه وإذا أضل غيره فقد ضل هو أيضاً ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي : حال كونه جاهلاً بحال ما يشتريه ويختاره أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن
٦٥
﴿وَيَتَّخِذَهَا﴾ بالنصب عطفاً على ليضل والضمير للسبيل فإنه مما يذكر ويؤنث أي : وليتخذها ﴿هُزُوًا﴾ مهزوءاً بها ومستهزأة ﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من الاشتراء والإضلال ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ لإهانتهم الحق بإيثار الباطل عليه وترغيب الناس فيه، وبالفارسية :(عذابي خوار كننده كه سبى وقتل است دردنيا وعذاب خزي در عقبى).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ﴾ أي : على المشتري افرد الضمير فيه وفيما بعده كالضمائر الثلاثة الأول باعتبار لفظ من وجمع في أولئك باعتبار معناه.
قال في "كشف الأسرار" : هذا دليل على أن الآية السابقة نزلت في النضرين الحارث ﴿ءَايَـاتُنَا﴾ أي : آيات كتابنا ﴿وَلَّى﴾ أعرض غير معتد بها ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾ مبالغاً في التكبر ودفع النفس عن الطاعة والإصغاء ﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ حال من ضمير ولى أو من ضمير مستكبراً والأصل كأنه فحذف ضمير الشان وخففت المثقلة أي : مشابهاً حاله حال من لم يسمعها وهو سامع.
وفيه رمز إلى أن من سمعها لا يتصور منه التولية والاستكبار لما فيها من الأمور الموجبة للإقبال عليها والخضوع لها ﴿كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ حال من ضمير لم يسمعها أي : مشابهاً حاله حال من في أذنيه ثقل مانع من السماع.
قال في "المفردات" الوقر الثقل في الأذن.
وفي "فتح الرحمن" الوقر الثقل الذي يغير إدراك المسموعات.
قال الشيخ سعدي :(ازانراكه كوش ارادت كران آفريده است ه كندكه بشنود وانرا كه بكند سعادت كشيده اند ون كندكه نرود).
قال في "كشف الأسرار" :(آدميان دوكر وهند آشنايات وبيكانكان آشنايانرا قرآن سبب هدايت است بيكانكانرا سبب ضلالت كما قال تعالى :﴿يُضِلُّ بِه كَثِيرًا وَيَهْدِي بِه كَثِيرًا﴾ (البقرة : ٢٦) بيانكان ون قرآن شنوند شت بران كنند وكردن كشند كافر وارنانكه رب العزة كفت) ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا وَلَّى﴾ الخ :
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت
و باطلان ز كلام حقت ملولى يست
(آشنايان ون قرآن شنوندبنده وار بسجود درافتند وبادل تازه وزنده دران زارند نانكه الله تعالى كفت) ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاذْقَانِ سُجَّدًا﴾ (الإسراء : ١٠٧) :
ذوق سجده در دماغ آدمي
ديورا تلخى دهد اواز غمى
﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي : فاعلمه بأن العذاب المفرط في الإيلام لا حق به لا محالة وذكر البشارة للتهكم ثم ذكر أحوال أضدادهم بقوله :


الصفحة التالية
Icon