﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بآياتنا ﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ وعملوا بموجبها.
قال في "كشف الأسرار" : الإيمان التصديق بالقلب وتحقيقه بالأعمال الصالحة ولذلك قرن الله بينهما وجعل الجنة مستحقة بهما قال تعالى :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر : ١٠) ﴿لَهُمُ﴾ بمقابلة إيمانهم وأعمالهم ﴿جَنَّـاتُ النَّعِيمِ﴾ (بهشتهاى بانعمت ناز ويا نعمتهاى بهشت) كما قال البيضاوي أي : نعيم جنات فعكس للمبالغة.
وقيل جنات النعيم إحدى الجنات الثمان وهي دار الجلال ودار السلام ودار القرار وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم كذا روى وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿خَـالِدِينَ فِيهَا﴾ حال من الضمير في لهم ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ أي : وعد الله جنات النعيم
٦٦
وعداً فهو مصدر مؤكد لنفسه لأن معنى لهم جنات النعيم وعدهم بها ﴿حَقًّا﴾ أي : حق ذلك الوعد حقاً فهو تأكيد لقوله لهم جنات النعيم أيضاً لكنه مصدر مؤكد لغيره لأن قوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُمْ﴾ وعد وليس كل وعد حقاً ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده أو تحقيق وعيده.
﴿الْحَكِيمِ﴾ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة :
نه در وعده اوست نقض وخلاف
نه در كار او هي لاف وكذاف
هذا، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بلهو الحديث في الآية المتقدمة الغناء، يعني :(تغنى وسرور فاسقانست در مجلس فسق وآيت درذم كسى فرود آمدكه بندكان مغنيان خرد يا كنيز كان مغنيات تافاسقانرا مطربى كند) فيكون المعنى من يشتري ذا لهو الحديث أو ذات لهو الحديث.
قال الإمام مالك : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بهذا العيب.
قال في الفقه : ولا تقبل شهادة الرجل المغنى للناس لاجتماع الناس في ارتكاب ذنب يسببه لنفسه ومثل هذا لا يحترز عن الكذب وأما من تغنى لنفسه لدفع الوحشة وإزالة الحزن فتقبل شهادته إذ به لا تسقط العدالة إذا لم يسمع غيره في الصحيح وكذا لا تقبل شهادة المغنية سواء تغنت للناس أو لا إذ رفع صوتها حرام فبارتكابها محرماً حيث نهى النبي عليه السلام عن صوت المغنية سقطت عن درجة العدالة وفي الحديث "لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ولا شراؤهن وثمنهن حرام" وقد نهى عليه السلام عن ثمن الكلب وكسب الزمارة، يعني :(ازكسب ناى زدن).
قالوا المال الذي يأخذه المغنى والقوال والنائحة حكمه أخف من الرشوة لأن صاحب المال أعطاه عن اختيار بغير عقد.
قال مكحول : من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيماً عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله يقول :﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ الخ وفي الحديث "إن الله بعثني هدى ورحمة للعالمين وأمرني بمحو المعازف والمزامير والأوتار والصنج وأمر الجاهلية وحلف ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر متعمداً إلا سقيته من الصديد مثلها يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً ولا يتركها من مخافتي إلا سقيته من حياض القدس يوم القيامة" وفي الحديث "بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير".
قال ابن الكمال : المراد بالمزامير آلات الغناء كلها تغليباً أي : وإن كانت في الأصل أسماء لذوات النفخ كالبوق ونحوه مما ينفخ فيه والكسر ليس على حقيقته بدليل قرينه بل مبالغة في النهي وفي الحديث :"من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة" قيل : وما الروحانيون يا رسول الله قال :"قراء أهل الجنة" أي : من الملائكة والحور العين ونحوهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
قال أهل المعاني يدخل في الآية كل من اختار اللهو واللعب والمزامير والمعازف على القرآن وإن كان اللفظ يذكر في الاستبدال والاختيار كثيراً كما في "الوسيط".
قال في "النصاب" ويمنع أهل الذمة عن إظهار بيع المزامير والطنابير وإظهار الغناء وغير ذلك.
وأما الأحاديث الناطقة برخصة الغناء أيام العيد فمتروكة غير معمول بها اليوم ولذا يلزم على المحتسب إحراق المعازف يوم العيد.
واعلم أنه لما كان القرآن أصدق الأحاديث وأملحها وسماعه والإصغاء إليه مما يستجلب الرحمة من الله استحب التغني به وهو تحسين الصوت وتطييبه لأن ذلك سبب للرقة وإثارة للخشيبة على ما ذهب إليه الإمام
٦٧


الصفحة التالية
Icon