الأعظم رحمه الله كما في "فتح القريب" ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً فهو حرام كما في "أبكار الأفكار".
وعليه يحمل ما في "القنية" من أنه لو صلى خلف إمام للحسن في القراءة ينبغي أن يعيد وما في "البزازية" من أن من يقرأ بالألحان لا يستحق الأجر لأنه ليس بقارىء فسماع القرآن بشرطه مما لا خلاف فيه وكذا لا خلاف في حرمة سماع الأوتار والمزامير وسائر الآلات.
لكن قال بعضهم حرمة الآلات المطربة ليست لعينها كحرمة الخمر والزنى بل لغيرها ولذا استثنى العلماء من ذلك الطبل في الجهاد وطريق الحج فإذا استعملت باللهو واللعب كانت حراماً وإذا خرجت عن اللهو زالت الحرمة.
قال في "العوارف" : وأما الدف والشبابة وإن كان في مذهب الشافعي فيهما فسحة فالأولى تركهما والأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف انتهى خصوصاً إذا كان في الدف الجلاجل ونحوها فإنه مكروه بالاتفاق كما في "البستان".
وإنما الاختلاف في سماع الإشعار بالألحان والنغمات فإن كانت في ذكر النساء وأوصاف أعضاء الإنسان من الخدود والقدود فلكونه مما يهيج النفس وشهوتها لا يليق بأهل الديانات الاجتماع لمثل ذلك خصوصاً إذا كان على طريقة اللهو والتغني بما يعتاده أهل الموسيقى "من يلالا" و"تنادرتن" وخرافات يستعملونها في مجالس أهل الشرب ومحافل أهل الفساد كما في "حواشي العوارف" للشيخ زين الدين الحافي قدس سره.
وقد أدخل الموسيقى في "الأشباه" في العلوم المحرمة كالفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وغيرها وإن كانت القصائد في ذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار ووصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب في الخيرات فلا سبيل إلى الإنكار.
ومن ذلك قصائد الغزاة والحجاج ووصف الغزو والحج مما يثير العزم من الغازي وساكن الشوق من الحاج.
وإذا كان القوال أمرد تنجذب النفوس بالنظر إليه وكان للنساء إشراف على الجمع يكون السماع عين الفسق المجمع على تحريمه.
واللوطية على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون، وصنف يصافحون، وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث.
وكما يمنع الشاب الصائم من القبلة لحليلته حيث جعلت حريم حرام الوقاع.
ويمنع الأجنبي من الخلوة بالأجنبية يمنع السامع من سماع صوت الأمرد والمرأة لخوف الفتنة وربما يتخذ للاجتماع طعام تطلب النفوس الاجتماع لذلك لا رغبة للقلوب في السماع فيصير السماع معلولاً تركن إليه النفوس طلباً للشهوات واستجلاءاً لمواطن اللهو والفضلات فينبغي أن يحذر السامع من ميل النفس لشيء من هواها.
وسئل بعضهم عن التكلف في السماع فقال : هو على ضربين : تكلف في المستمع بطلب جاه أو منفعة دنيوية وذلك تلبيس وخيانة وتكلف فيه لطلب الحقيقة كمن يطلب الوجد بالتواجد وهو بمنزلة التباكي المندوب إليه فإذا فعل لغرض صحيح كان مما لا بأس به كالقيام للداخل لم يكن في زمن النبي عليه السلام فمن فعله لتطييب قلب الداخل والمداراة ودفع الوحشة إن كان في البلاد عادة يكون من قبيل العشرة وحسن الصحبة.
قالوا : لو قعد واحد على ظهر بيته وقرىء عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق وإلا فليحذر العاقل من دخول الشيطان في جوفه وحمله عند السماع على نعرة أو تصفيق أو تحريق أو رقص رياء وسمعة.
وفي سماع
٦٨
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
أهل الرياء ذنوب.
منها : أنه يكذب على الله وأنه وهب له شيئاً وما وهب له والكذب على الله من أقبح اللذات.
ومنها : أن يغر بعض الحاضرين فيحسن به الظن والإغرار خيانة لقوله عليه السلام :"من غشنا فليس منا".
ومنها : أن يحوج الحاضرين إلى موافقته في قيامه وقعوده فيكون متكلفاً مكلفاً للناس بباطله فيجتنب الحركة ما أمكن إلا إذا صارت حركته كحركة المرتعش الذي لا يجد سبيلاً إلى الإمساك وكالعاطس الذي لا يقدر أن يرد العطسة.
والحاصل أن الميل عند السماع على أنواع :
منها : ميل يتولد من مطالعة الطبيعة للصوت الحسن وهو شهوة وهو حرام لأنه شيطاني.
ه مردسماعست شهوت رست
بآواز خوش خفته خيزد نه مست
ومنها : ميل يتولد من النفس ومطالعة النغمات والألحان وهو هوى وهو حرام أيضاً لكونه شيطانياً حاصلاً لذي القلب الميت والنفس الحية ومن علامات موت القلب نسيان الرب ونسيان الآخرة والإنكباب على أشغال الدنيا واتباع الهوى فكل قلب ملوث بحب الدنيا فسماعه سماع طبع وتكلف.
اكر مردى بازى ولهوست ولاغ
قوى تر بود ديوش اندر دماغ
ومنها ميل يتولد من القلب بسبب مطالعة نور أفعال الحق وهو عشق وهو حلال لأنه رحماني حاصل لذي قلب حي ونفس ميتة.
ومنها ميل يتولد من الروح بسبب مطالعة نور صفاته وهو محبة وحضور وسكون وهو حلال أيضاً.
ومنها ما يتولد من السر بسبب مشاهدة نور ذاته تعالى وهو أنس وهو حلال أيضاً ولذا قال الشيخ سعدي قدس سره :
نكويم سماع اى برادر كه يست
مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى رد طير او
فرشته فروماند از سير او


الصفحة التالية
Icon