فهو حال العاشق الصادق وأصحاب الحال هم الذين أثرت فيهم أنوار الأعمال الصالحة فوهبهم الله تعالى على أعمالهم بالمجازاة حالاً والوجد والذوق ومآلا الكشف والمشاهدة والمعاينة والمعرفة بشرط الاستقامة.
قال زين الدين الحافي قدس سره : فمن يجد في قلبه نوراً يسلك به طريق من أباحه وإلا فرجوعه إلى من كرهه من العلماء أسلم.
ومعنى السماع استماع صوت طيب موزون محرك للقلب وقد يطلق على الحركة بطريق تسمية المسبب باسم السبب وجبلت النفوس حتى غير العاقل على الإصغاء إلى ما يحب من سماع الصوت الحسن فقد كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لسماع صوته.
به از روى خويست آواز خوش
كه اين حظ نفس است وآن قوت روح
وكان الأستاذ الإمام أبو علي البغدادي رحمه الله أوتي حظاً عظيماً وأنه أسلم على يده جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته وحسن صوته كما تغير حال بعضهم من سماع بعض الأصوات القبيحة.
ونقل عن الإمام تقي الدين المصري أنه كان استاذاً في التجويد وأنه قرأ يوماً في صلاة الصبح :﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ (النمل : ٢٠) وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها فنظروا إليه فإذا هو هدهد قالوا : الروح
٦٩
إذا استمع الصوت الحسن والتذ بذلك تذكر مخاطبة الحق إياه بقوله :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ (الأعراف : ١٧٢) فحنّ إلى العود بالحضرة الربوبية وطار من الأوكار البشرية إلى الحضرة الصمدية :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
ه كونه جان نرد سوى حضرت متعال
نداه لطف الهي رسدكه عبدي تعال
قال حضرة الشيخ أبو طالب المكي في "قوت القلوب" : إن أنكرنا السماع مجملاً مطلقاً غير مقيد مفصل يكون إنكارنا على سبعين صديقاً وإن كنا نعلم أن الإنكار أقرب إلى قلوب القراء والمتعبدين إلا أنا لا نفعل ذلك لأنا نعلم ما لا يعلمون وسمعنا عن السلف من الأصحاب والتابعين ما لا يسمعون انتهى.
فقد جوز الشيخ قدس سره السماع أي : سماع الصوت الحسن واستدل عليه بأخبار وآثار في كتابه وقوله يعتبر كما في "العوارف" لوفور علمه وكمال حاله وعلمه بأحوال السلف ومكان ورعه وفتواه وتحريه الأصوب والأعلى لكن من أباحه لم ير إعلانه في المساجد والبقاع الشريفة فعليك بترك القيل والقال والأخذ بقوة الحال.
﴿خَـالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍا وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنابَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَـاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ﴾.
﴿خَلْقُ﴾ تعالى وأوجد ﴿السَّمَـاوَاتِ﴾ السبع وكذا الكرسي والعرش ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ بفتحتين جمع عماد كأهب وأهاب وهو ما يعمد به أي : يسند يقال عمدت الحائط إذا أدعمته أي : خلقها بغير دعائم وسواري على أن الجمع لتعدد السموات، وبالفارسية :(بيافريد آسمانها را بى ستون) ﴿تَرَوْنَهَا﴾ استئناف جيىء به للاستشهاد على ما ذكر من خلقه تعالى إياها غير معمودة بمشاهدتهم لها كذلك أو صفة لعمد أي : خلقها بغير عمد مرئية على أن التقييد للرمز على أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى هي عمد القدرة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢