واعلم أن وقوف السموات وثبات الأرض على هذا النظام من غير اختلال إنما هو بقدرة الله الملك المتعال ولله تعالى رجال خواص مظاهر القدرة هم العمد المعنوية للسموات والسبب الموجب لنظام العالم مطلقاً وهم موجودون في كل عصر فإذا كان قرب القيامة يحصل لهم الانقراض والانتقال من هذه النشأة بلا خلف فيبقى العالم كشبح بلا روح فتنحل أجزاؤه انحلال أجزاء الميت ويرجع الظهور إلى البطون ولا ينكر هذه الحال إلا مغلوب القال نعوذ بالله من الإنكار والإصرار ﴿وَأَلْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ﴾ الإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه وتراه ثم صار في التعارف إسماً لكل طرح.
والرواسي جمع راسية من رسا الشيء يرسو أي : ثبت والمراد الجبال الثوابت لأنها ثبتت في الأرض وثبتت بها الأرض شبه الجبال الرواسي استحقاراً لها واستقلالاً لعددها وإن كانت خلقاً عظيماً بحصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن في الأرض وما هو إلا تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته وأن كل فعل عظيم يتحير فيه الأذهان فهو هين عليه والمراد قال لها : كوني فكانت فأصبحت الأرض وقد أرسيت بالجبال بعد أن كانت تمور موراً أي : تضطرب فلم يدر أحد مم خلقت ﴿أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض يقال ماد يميد ميداً وميداناً تحرك واضطرب، وبالفارسية :(الميد، جنبيدن وخراميدن) والباء للتعدية.
والمعنى كراهة أن تميل بكم فإن بساطة أجزائها تقتضي تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز معين ووضع مخصوص، وبالفارسية (تازمين شمارا نه جنباند يعنى حركت ندهد ومضرب نسازد ه زمين برروى آب متحرك بود ون كشتى وبجبال راسيات آرام يافت) كما قال الشيخ سعدى قدس سره :
٧٠
ومى كسترانيد فرش تراب
و سجاده نيك مردان برآب
زمين ازتب لرزه آمد ستوه
فرو كفت بردامنش ميخ كوه
(درموضح از ضحاك نقل ميكنندكه حق سبحانه نوزده كوه را ميخ زمين كرد تابر اى بايستاد از جمله كوه قاف وابو قبيس وجودى ولبنان وسينين وطورسينا وفيران).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
واعلم أن الجبال تزيد في بعض الروايات على ما فيه الموضح كما سبق في تفسير سورة الحجر.
قال بعضهم : إن الجبال عظام الأرض وعروقها وهذا كقول من قال من أهل السلوك : الشمس والقمر عينا هذا التعين والكواكب ليست مركوزة فيه وإنما هي بانعكاس الأنوار في بعض عروقه اللطيفة وهذا لا يطلع عليه الحكماء وإنما يعرف بالكشف ﴿وَبَثَّ﴾ (ورا كنده كرد) ﴿فِيهَا﴾ (در زمين) ﴿مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ من كل نوع من أنواعها مع كثرتها واختلاف أجناسها.
أصل البث إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والشر فبث كل دابة في الأرض إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه والدب والدبيب مشي خفيف ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ﴾ من السحاب لأن السماء في اللغة ما علاك وأظلك ﴿مَآءً﴾ هو المطر ﴿فَأَنابَتْنَا فِيهَا﴾ في الأرض بسبب ذلك الماء والالتفات إلى نون العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرهما ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ من كل صنف كثير المنفعة.
قال في "المفردات" : وكل شيء يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم، وبالفارسية :(ازهر صنف كياهى نيكو وبسيار منفعت) وكل ما في العالم فإنه زوج من حيث أن له ضداً ما أو مثلاً ما أو تركبا ما من جوهر وعرض ومادة وصورة.
وفيه تنبيه على أنه لا بد للمركب من مركب وهو الصانع الفرد.
واعلم وفقنا الله جميعاً للتفكر في عجائب صنعه وغرائب قدرته أن عقول العقلاء وأفهام الأذكياء قاصرة متحيرة في أمر النباتات والأشجار وعجائبها وخواصها وفوائدها ومضارها ومنافعها وكيف لا وأنت تشاهد اختلاف أشكالها وتباين ألوانها وعجائب صور أوراقها وروائح أزهارها وكل لون من ألوان ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلاً كورديّ وأرجواني وسوسني وشقائقي وخمري وعنابي وعقيقي ودموي ولكيّ وغير ذلك مع اشتراك الكل في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضاً واشتراك الكل في طيب الرائحة وعجائب أشكال أثمارها وحبوبها وأوراقها ولكل لون وريح وطعم وورق وثمر وزهر وحب وخاصية لا تشبه الأخرى ولا يعلم حقيقة الحكمة فيها إلا الله والذي يعرف الإنسان من ذلك بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من بحر وقد أخرج الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام من الجنة فبكيا على الفراق سنين كثيرة فنبت من دموعهما نباتات حارة كالزنجبيل ونحوه فلم يضيع دموعهما كما لم يضيع نطفته حيث خلق منها يأجوج ومأجوج إذ لا يلزم أن يكون نزول النطفة على وجه الشهوة حتى يرد أنه لم يحتلم نبي قط وقد سبق البحث فيه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿هَـاذَا﴾ الذي ذكر من السموات والأرض والجبال والحيوان والنبات ﴿خَلْقُ اللَّهِ﴾ مخلوقة كضرب الأمير أي : مضروبه فأقيم المصدر مقام المفعول توسعاً ﴿فَأَرُونِى﴾ أيها المشركون، والإراءة بالفارسية :(تمودن)