والجمهور على أنه كان حكيماً حكمة طب وحكمة حقيقة، يعني :(مردى حكيم بود ازنيك مردان بني إسرائيل خلق را ند دادى وسخن حكمت كفتى وليكن سبط او معلوم نيست ولم يكن نبياً اما هزار يغمبررا شاكردى كرده بود وهزار يغمبر اورا شاكرد بودند درسخن حكمت).
وفي بعض الكتب قال لقمان : خدمت أربعة آلاف نبي واخترت من كلامهم ثماني كلمات : إن كنت في الصلاة فاحفظ قلبك، وإن كنت في الطعام فاحفظ حلقك، وإن كنت في بيت الغير فاحفظ عينيك، وإن كنت بين الناس فاحفظ لسانك، واذكر اثنين، وانسى اثنين أما اللذان تذكرهما فالله والموت وأما اللذان تنساهما إحسانك في حق الغير وإساءة الغير في حقك.
ويؤيد كونه حكيماً لا نبياً كونه أسود اللون لأن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حسن الشكل حسن الصوت.
وما روي أنه قيل ما أقبح وجهك يا لقمان فقال : أتعيب بهذا على النقش أم على النقاش.
وما قال عليه السلام حقاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
أقول : لم يكن لقمان نبياً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه فمنّ عليه بالحكمة وهي إصابة الحق باللسان وإصابة الفكر بالجنان وإصابة الحركة بالأركان إن تكلم تكلم بحكمة وإن تفكر تفكر بحكمة وإن تحرك تحرك بحكمة كما قال الإمام الراغب : الحكمة إصابة الحق بالعلم والفعل.
فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام.
ومن الإنسان : معرفة الموجودات على ما هي عليه وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان في هذه الآية.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله لم يستحق أن يسمى حكيماً لأنه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها والحكمة أجل العلوم وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم ولا أجل من الله ومن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف المنة في سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها ومن عرف الله كان كلامه مخالفاً لكلام غيره فإنه قلما يتعرف للجزئيات بل يكون كلامه جملياً ولا يتعرض لمصالح العاجلة بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كانت الكلمات الكلية أطهر عند الناس من أحوال الحكيم من معرفته بالله ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك
٧٣
الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم وذلك مثل قول سيد الأنبياء عليه السلام :"رأس الحكمة مخافة الله"، "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى"، "كن ورعاً تكن أعبد الناس" "وكن قنعاً تكن أشكر الناس"، "البلاء موكل بالمنطق"، "السعيد من وعظ بغيره"، "القناعة مال لا ينفد"، "اليقين الإيمان كله" فهذه الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيماً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢


الصفحة التالية
Icon