﴿وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ إلى آخره اعتراض في أثناء وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك يقال وصيت زيداً بعمر وأمرته بتعهده ومراعاته، والمعنى :(وصيت كرديم مردم را به در ومادر ورعايت حقوق ايشان).
ثم رجح الأم ونبه على عظم حق والديه فقال :﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ إلى قوله :﴿وَفِصَـالُهُ﴾ اعتراض بين المفسر والمفسر أي : التوصية والشكر.
والمعنى بالفارسية :(برداشت مادر اورا درشكم) ﴿وَهْنًا﴾ حال من أمه أي : ذات وهن والوهن الضعف من حيث الخلق والخلق ﴿عَلَى وَهْنٍ﴾ أي : ضعفاً كائناً على ضعف فإنه كلما عظم ما في بطنها زادها ضعفاً إلى أن تضع ﴿وَفِصَـالُه فِى عَامَيْنِ﴾ الفصال التفريق بين الصبي والرضاع ومنه الفصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عن امه.
والعام : بالتخفيف السنة لكن كثيراً ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب ولذا يعبر عن الجدب بالسنة والعام فيما فيه الرخاء أي : فطام الإنسان من اللبن يقع في تمام عامين من وقت الولادة وهي مدة الرضاع عند الشافعي فلا يثبت حرمة الرضاع بعدها فالإرضاع عنده واجب إلى الاستغناء ويستحب إلى الحولين وجائز إلى حولين ونصف وهذا الخلاف بينهما في حرمة الرضاع كما أشير إليه أما استحقاق الأجرة فمقدر بحولين فلا تجب نفقة الإرضاع على الأب بعد الحولين بالاتفاق وتمام الباب في كتاب الرضاع في الفقه.
قال في الوسيط : المعنى ذكر مشقة الوالدة بإرضاع الولد بعد الوضع عامين
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ﴾ تفسير لوصيناه أي : قلنا له اشكر لي أو علة له أي : لأن يشكر لي وما بينهما اعتراض مؤكد للوصية في حقها خاصة ولذلك قال عليه السلام : لمن قال له من أبر "أمك ثم أمك ثم أمك" ثم قال بعد ذلك "ثم أباك" والمعنى اشكر لي حيث أوجدتك وهديتك بالإسلام واشكر لوالديك حيث ربياك صغيراً وشكر الحق بالتعظيم والتكبير وشكر الوالدين بالإشفاق والتوقير.
وفي "شرح الحكم" : قرن شكرهما بشكره إذ هما أصل وجودك المجازي كما أن أصل وجودك الحقيقي فضله وكرمه فله حقيقة الشكر كما له حقيقة النعمة ولغيره مجازه كما لغيره مجازها وفي الحديث "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" فجعل شكر الناس شرطاً في صحة شكره تعالى أو جعل ثواب الله على الشكر لا يتوجه إلا لمن شكر عباده.
ثم حق المعلم في الشكر فوق حق الوالدين.
سئل الاسكندر وقيل ما بالك تعظم مؤدّبك أشد من تعظيمك لأبيك فقال : أبي حطني من السماء إلى الأرض ومؤدبي رفعني من الأرض إلى السماء.
قال الحافظ :
٧٨
من ملك بودم وفردوس برين جايم بود
آدم آورد درين دير خراب آبادم
وقيل : لبرزجمهر ما بالك تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال : لأن أبي سبب حياتي الفانية ومعلمي سبب حياتي الباقية.
﴿إِلَىَّ الْمَصِيرُ﴾ تعليل لوجوب الامتثال بالأمر أي : إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على شكرك وكفرك.
ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه.
قال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر والديه وفي الحديث :"من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده ومن مات والداه وهو لهما غير بار وهو حي فليستغفر لهما ويتصدق لهما حتى يكتب باراً لوالديه ومن زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان باراً" وفي الحديث :"من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمساً خمساً فإذا فرغ من صلاته استغفر الله خمس عشرة مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقاً لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء" كذا في "الإحياء" و"قوت القلوب".
﴿وَإِن جَـاهَدَاكَ﴾ المجاهدة استفراغ الجهد أي : الوسع في مدافعة العدو، وبالفارسية :(باكسى كار زاركردن در راه خداى) والمعنى وقلنا للإنسان إن اجتهد أبواك وحملاك، وبالفارسية :(واكر كشش وكوشش كنند دو ومادر تو باتو) ﴿عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ﴾ أي : بشركته تعالى في استحقاق العبادة ﴿عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ في الشرك يعني أن خدمة الوالدين وإن كانت عظيمة فلا يجوز للولد أن يطيعهما في المعصية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
ون نبود خويش را ديانت وتقوى
قطع رحم بهتر از مودت قربى