﴿وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّا ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يا بُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ أَوْ فِى الارْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّه إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَا إِنَّ ذَالِكَ مِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾.
يا بُنَىَّ} (كفت لقمان فرزند خودرا كه انعم نام بود) بضم العين (اى سرك من).
قال في "الإرشاد" : شروع في حكاية بقية وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعها من النهي عن الشرك وتأكيده بالاعتراض.
﴿إِنَّهَآ﴾ أي : الخصلة من الإساءة أو الإحسان.
وقال مقاتل وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبتاه إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله فرد عليه لقمان فقال : يا بني إنها أي : الخطيئة.
﴿إِن تَكُ﴾ أصله تكون حذفت الواو لاجتماع الساكنين الحاصل من سقوط حركة النون بأن الشرطية وحذفت النون أيضاً تشبيهاً بحرف العلة في امتداد الصوت أو بالواو في الغنة أو بالتنوين.
وقال بعضهم : حذفت تخفيفاً لكثرة الاستعمال فلا تحذف من مثل لم يصن ولم يخن فإن وصلت بساكن ردت النون وتحرك نحو لم يكن الذين الآية ﴿مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ المثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل صنج.
وفي "كشف الأسرار" يقال : مثقال الشيء ما يساويه في الوزن وكثر الكلام فصار عبارة عن مقدار الدنيا انتهى، والحبة بالفارسية :(دانه) والخردل من الحبوب معروف.
والمعنى مقدار ما هو أصغر المقادير التي توزن بها الأشياء من جنس الخردل الذي هو أصغر الحبوب المقتاتة ﴿فَتَكُن﴾ (س باشد آن) أي : مع كونها في أقصى غايات الصغر ﴿فِى صَخْرَةٍ﴾ الصخر الحجر الصلب أي : في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة ما.
وقال المولى الجامي في صخرة هي أصلب المركبات وأشدها منعاً لاستخراج ما فيها انتهى والمراد بالصخرة أية صخرة كانت لأنه قال بلفظ النكرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الأرض على الحوت والحوت في الماء والماء على صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة التي ذكر لقمان ليست في السموات ولا في الأرض كذا في "التكملة"
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ﴾ مع ما بعدها.
وفي بعض التفاسير في العالم العلوي كمحدب السموات ﴿أَوْ فِى الأرْضِ﴾ مع طولها وعرضها.
وفي بعض التفاسير في العالم السفلي كمقعر الأرض ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ أي : يحضرها فيحاسب عليها لأنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وبالفارسية :(بيارد خداى تعالى آثراً وحاضر كرداند وبرآن حساب كند) فالباء للتعدية.
قال المولى الجامي في "شرح الفصوص" : إنها أي : القصة إن تك مثقال حبة بالرفع كما هو قراءة نافع وحينئذٍ كان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة وقوله : يأت بها الله أي : للاغتذاء بها ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ من قول لقمان ﴿لَطِيفٌ﴾ يصل علمه إلى
٨١
كل خفي فإن أحد معاني اللطيف هو العالم بخفيات الأمور ومن عرف أنه العالم بالخفيات يحذر أن يطلع عليه فيما هو فيه ويثق به في علم ما يجهله.
برو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
﴿خَبِيرٌ﴾ عالم بكنهه.
قال في شرح حزب البحر الخبير هو العليم بدقائق الأمور التي لا يتوصل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال ومن عرف أنه الخبير ترك الرياء والتصنع لغيره بالإخلاص له فالله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ويحيط بأسرار الضمائر وبطون الخواطر ويحاسب عليها سواء كانت في صخرة النفوس أو في سماء الأرواح أو في أرض القلوب.
وفيه تنبيه لأهل المراقبة والتحذير من الملاحظات لاطلاع الحق على نوادر الخطرات وبطون الحركات.
وفي "التأويلات النجمية" : يا بُنَىَّ إِنَّهَآ} يشير إلى المقسومات الأزلية من الأرزاق والإخلاصات الإنسانية والمواهب الإلهية ﴿إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ﴾ أي : صخرة العدم ﴿أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ﴾ في الصورة والمعنى ﴿أَوْ فِى الأرْضِ﴾ في الصورة والمبني ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ لمن قدر له وقسم من أسباب السعادة والشقاوة إن شاء بطريق كسب العبد وإن شاء يجعل له مخرجاً في حصولها من حيث لا يحتسب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ بعباده ﴿خَبِيرٌ﴾ بإتيان ما قسم لهم بلطف ربوبيته فالواجب على العبد أن يثق بوعده ويتكل على كرمه فيما قدر له ويسعى إلى القيام بعبوديته انتهى.
وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢


الصفحة التالية
Icon