قال بعض الحكماء : إن افتخرت بفرسك فالحسن والفراهة له دونك.
وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالجمال لها دونك.
وإن افتخرت بآبائك فالفضل فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت هذه محاسننا فمالك من الحسن شيء.
فإن افتخرت فافتخر بمعنى فيك غير خارج عنك.
قال الحافظ :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
قلندران حقيقت بنيم جو نخرند
قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست
وإذا أعجبك من الدنيا شيء فاذكر فناءك وبقاءه أو بقاءك وزواله أو فناءكما جميعاً فإذا راقك ما هو لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك وبعد رجوعه إليك وطول حسابه عليك إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر.
ـ حكي ـ أنه حُمِلَ إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجوهر لم ير له نظير ففرح به الملك فرحاً شديداً فقال لمن عنده من الحكماء : كيف ترى هذا؟ فقال : أراه فقراً حاضراً ومصيبة عاجلة قال : وكيف ذلك؟ قال : إن انكسر كانت مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيراً إليه وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر القدح يوماً فعظمت المصيبة على الملك وقال : صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا.
إنما الدنيا كرؤيا فرّحت
من رآها ساعة ثم انقضت
﴿وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ﴾ القصد ضد الإفراط والتفريط.
والمعنى واعدل في المشي بعد الاجتناب عن المرح فيه، وبالفارسية :(وميانه باش دررفتن خود) اى توسد بين الدبيب والإسراع فلا تمشي كمشي الزهاد المظهرين الضعف في المشي من كثرة العبادات والرياضات فكأنهم أموات وهم المراؤون الذين ضل سعيهم ولا كمشي الشطار ووثوبهم وعليك بالسكينة والوقار وفي الحديث "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن" وقول عائشة رضي الله عنها في عمر رضي الله عنه كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت.
قال بعضهم إن للشيطان من ابن آدم
٨٥
نزغتين بأيتهما ظفر قنع الإفراط والتفريط وذلك في كل شيء يتصور ذلك فيه ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ يقال غض صوته وغض بصره إذا خفض صوته وغمض بصره.
قال في "المفردات" : الغض النقص من الطرف والصوت، وبالفارسية :(فرو خوابانيدن شم وفرداشتن اواز) والصوت هو الهواء المنضغط عند قرع جسمين.
قال بعضهم : الهواء الخارج من داخل الإنسان إن خرج بدفع الطيع يسمى نفساً بفتح الفاء وإن خرج بالإرادة وعرض له تموّج بتصادم جسمين يسمى صوتاً وإذا عرض للصوت كيفيات مخصوصة بأسباب معلومة يسمى حروفاً.
والمعنى وانقص من صوتك واقصر واخفض في محل الخطاب والكلام خصوصاً عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعند الدعاء والمناجاة.
وكذلك وصية الله في الإنجيل لعيسى ابن مريم مُر عبادي إذا دعوني يخفضوا أصواتهم فإني أسمع وأعلم ما في قلوبهم، وبالفارسية :(فرو آور وكم كن آوز خويش يعنى فرياد كننده ونعره زننده ودراز زبان وسخت كوى مباش) واستثنى منه الجهر لإرهاب العدو ونحوه.
وقال محمد بن طلحة في "العقد الفريد" : قد اختار الحكماء للسلطان جهارة الصوت في كلامه ليكون أهيب لسامعيه وأوقع في قلوبهم انتهى.
وفي "الخلاصة" لا يجهر الإمام فوق حاجة الناس وإلا فهو مسيء كما في "الكشف".
والفرق بين الكراهة والإساءة هو أن الكراهة أفحش من الإساءة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
وفي "إنسان العيون" : لا بأس برفع المؤذنين أصواتهم لتبليغ التكبير لمن بعد عن الإمام من المقتدين لما فيه من النفع بخلاف ما إذا بلغهم صوت الإمام فإن التبليغ حينئذٍ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة ومعنى منكرة مكروهة.
وفي "أنوار المشارق" المختار عند الأخيار أن المبالغة والاستقصاء في رفع الصوت بالتكبير في الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والإخفاء مع التضرع والتذلل والاستكانة الخالية عن الرياء جائز عير مكروه باتفاق العلماء.
وقد جمع النووي بين الأحاديث الواردة في استحباب الجهر بالذكر والواردة في استحباب الإسرار به بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى المصلون أو النائمون والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همة الفكر ويشنف سمعه ويطرد النوم ويزيد في النشاط وكان عليه السلام إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".


الصفحة التالية
Icon