"يا ابن عباس يقول الله تعالى : إني جعلت للمؤمن ثلث صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أكفر به عنه خطاياه وجعلت له ثلث ماله ليكفر به عنه خطاياه وسترت عليه سوء عمله الذي لو قد أريته للناس لنبذه أهله فمن سواهم" ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ أي : وبعض الناس فهو مبتدأ خبره قوله ﴿مَن يُجَـادِلُ﴾ ويخاصم يقال جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه ﴿فِى اللَّهِ﴾ في توحيده وصفاته ويميل إلى الشرك حيث يزعم أن الملائكة بنات الله.
وقال الكاشفي :﴿فِى اللَّهِ﴾ (دركتاب خداى يعنى نضر بن الحارث كه ميكفت افسانه يشينيانست.
ودر عين المعاني آورده كه
٩٠
يكى از يهود از حضرت رسالت ناه عليه السلام رسيدكه خداى تو ازتو يزست في الحال اورا صاعقه كرفت واين آيت آمدكه كسى بودكه مجادله كند در ذات حق) ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مستفاد من دليل ﴿وَلا هُدًى﴾ من جهة الرسول ﴿وَلا كِتَـابٍ﴾ أنزله الله تعالى ﴿مُّنِيرٍ﴾ مضيىء له بالحجة بل يجادل بمجرد التقليد كما قال :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ أي : لمن يجادل والجمع باعتبار المعنى ﴿اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ على نبيه من القرآن الواضح والنور البين فآمنوا به ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ﴾ الماضين يريدون به عبادة الأصنام يقول الله تعالى في جوابهم :﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَـانُ يَدْعُوهُمْ﴾ الاستفهام للإنكار والتعجب من التعلق بشبهة هي في غاية البعد من مقتضى العقل والضمير عائد إلى الآباء والجملة في حيز النصب على الحالية.
والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم بما هم عليه من الشرك ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ فهم مجيبون إليه حسبما يدعوهم والسعر التهاب النار وعذاب السعير أي : الحميم كما في "المفردات".
وفي الآية منع صريح من التقليد في الأصول أي : التوحيد والصفات والتقليد لغة وضع الشيء في العنق محيطاً به ومنه القلادة ثم استعمل في تفويض الأمر إلى الغير كأنه ربطه بعنقه واصطلاحاً قبول قول الغير بلا حجة فيخرج الأخذ بقوله عليه السلام لأنه حجة في نفسه.
وفي "التعريفات" : التقليد عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقداً للحقية فيه من غير نظير وتأمل في الدليل كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه انتهى.
فالتقليد جائز في الفروع والعمليات ولا يجوز في أصول الدين والاعتقاديات بل لا بد من النظر والاستدلال لكن إيمان المقلد ظاهر عند الحنفية والظاهرية وهو الذي اعتقد جميع ما يجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وإرسال الرسل وما جاءوا به حقاً من غير دليل لأن النبي عليه السلام قبل إيمان الإعراب والصبيان والنسوان والعبيد والإماء من غير تعليم الدليل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه.
قال في "فصل الخطاب" : من نشأ في بلاد المسلمين وسبح الله عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد يعني إن مثل هذا المقلد لو ترك الاستدلال لا يأثم كمن في شاهق جبل فإن تسبيحه عند رؤية المصنوعات عين الاستدلال فكأنه يقول الله خالق هذا النمط البديع ولا يقدر أحد غيره على خلق مثل هذا فهو استدلال بالأثر على المؤثر وإثبات للقدرة والإرادة وغير ذلك فالاستدلال هو الانتقال من المصنوع إلى الصانع لا ملاحظة الصغرى والكبرى وترتيب المقدمات للإنتاج على قاعدة العقول وعلى هذا فالمقلد في هذا الزمان نادر.
وفي الآية إشارة إلى أن من سلك طريق المعرفة بالعقل القاصر فهو مقلد لا يصح الاقتداء به.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى
ى برى مقلد كم كرده ره مرو
فلا بد من الاقتداء بصاحب ولاية عالم رباني واقف على أسرار الطريقة عارف بمنازل عالم الحقيقة مكاشف عن حقائق القرآن مطلع على معاني الفرقان فإنه يخرج بإذن الله تعالى من الظلمات الإنسانية إلى النور الرباني ويخلص من عذاب النفس الأمارة ويشرف بنعيم
٩١
القلب فإن كان مطلبك أيها السالك هو المطلب الحقيقي فإن طريقه بعيد وبرازخ منازله كثيرة لا يقدر أهل الجدل وأرباب العقول المشوبة بالوهم والخيال والشبهات على دلالة تلك الطريق فأين الثريا من يد المتطاول فهم إنما يصيدون الريح لا العنقاء إذ العنقاء في قاف الوجود وحقائق الوجود لا يعرفها إلا أهل المعرفة والشهود نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من العاملين بأحكام القرآن العظيم والمتأدبين بآداب الكلام القديم والواصلين إلى أنواره والمصاحبين بمن يتحقق بأسراره.