﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَه إِلَى اللَّهِ﴾ من شرطية معناها بالفارسية (هركه ما) واسلم إذا عدى بالى يكون بمعنى سلم وإذا عدى باللام تضمن معنى الإخلاص والوجه بمعنى الذات.
والمعنى ومن يسلم نفسه إلى الله تسليم المتاع للعامل بأن فوض أمره إليه وأقبله بكليته عليه ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ والحال أنه محسن في عمله آت به على الوجه اللائق الذي هو حسنه الوصفي المستلزم لحسنه الذاتي ولا يحصل ذلك غالباً إلا عن مشاهدة ولذا فسر النبي عليه السلام "الإحسان" : بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾.
قال في "المفردات" : إمساك الشيء التعلق به وحفظه واستمسكت بالشيء إذا تحريت بالإمساك انتهى.
والاستمساك بالفارسية (نك درزدن) كما في "تاج المصادر".
والعروة بالضم ما يعلق به الشيء من عروته بالكسر أي : ناحيته والمراد مقبض نحو الدلو والكوز.
والوثقى الموثقة المحكمة تأنيث الأوثق كالصغرى تأنيث الأصغر والشيء الوثيق ما يأمن صاحبه من السقوط.
والمعنى فقد تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وأقواه، وبالفارسية :(دست درزد استوارتر كوشه وبدست آويز محكم) وهو تمثيل لحال المتوكل المشتغل بالطاعة بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلى منه بحيث لا يخاف انقطاعه ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾ لا إلى أحد غيره ﴿عَـاقِبَةُ الامُورِ﴾ عاقبة أمر المتوكل وأمر غيره فيجازيه أحسن الجزاء، وبالفارسية (وبالله كردد سر انجام همه كار ونان بود كه او خواهد).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿وَمَن كَفَرَ﴾ (وهركه نكردد نك در عروه وثقى نزند) ﴿فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُه﴾ فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة يقال احزنه من المزيد ويحزنه من الثلاثي وأما حزن الثلاثي ويحزن المزيد فليس بشائع في الاستعمال ﴿إِلَيْنَا﴾ لا إلى غيرنا ﴿مَرْجِعُهُمْ﴾ رجوعهم ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه ﴿فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي بالعذاب والعقاب وجمع الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الموضعين باعتبار لفظه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي : الضمائر والنيات المصاحبة بالصدر فيجازي عليها كما يجازي على الأعمال الظاهرة.
﴿وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُه ا إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا﴾.
﴿نُمَتِّعُهُمْ﴾ أي : الكافرين بمنافع الدنيا ﴿قَلِيلا﴾ تمتيعاً قليلاً أو زماناً قليلاً، وبالفارسية :(برخور دارى دهم ايشانرا بنعمت وسرور زمانى اندك كه زود انقطاع يابد) فان ما يزول وإن كان بعد أمد طويل بالنسبة إلى ما يدوم قليل ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ﴾ الاضطرار حمل الإنسان على ما يضره وهو في التعارف حمل على أمر يكرهه أي : نلجئهم ونردهم في الآخرة قهراً، وبالفارسية :(س بياريم ايشانرا به بياركى
٩٢
يعني نا ر بيايند) ﴿إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو نضم إلى الإحراق الضغط والتضييق.
وفي "التأويلات النجمية" : غلظة العذاب عبارة عن دوامه إلى الأبد انتهى.
والغليظ ضد الرقيق وأصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كما في "المفردات".
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم﴾ أي : الكافرين ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ أي : الأجرام العلوية والسفلية ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ خلقهن ﴿اللَّهِ﴾ لغاية وضوح الأمر بحيث اضطروا إلى الاعتراف به ﴿قُلِ الْحَمْدُ﴾ على أن جعل دلائل التوحيد بحيث لا يكاد ينكرها المكابرون أيضاً ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ شيئاً من الأشياء فلذلك لا يعملون بمقتضى اعترافهم بأن يتركوا الشرك ويعبدوا الله وحده.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ * وَلَوْ أَنَّمَا فِى الارْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّه مِنا بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا﴾.