﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ (رام كرد رفتاب وماه راكه سبب منافع الخلق اند).
قال عبد الله بن سلام : أخبرني يا محمد عن الشمس والقمر أهما مؤمنان أم كافران؟ قال عليه السلام :"مؤمنان طائعان مسخران تحت قهر المشيئة" قال : صدقت قالك فما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال :"لأن الله محا آية الليل وجعل آية النهار ومبصرة نعمة منه وفضلاً ولولا ذلك لما عرف الليل من النهار" والجملة عطف على يولج والاختلاف بينهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر أمر متجدد في كل حين وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه ولا تجدد وإنما التعدد والتجدد في آثاره وقد أشير إلى ذلك حيث قيل :﴿كُلُّ﴾ من الشمس والقمر ﴿يَجْرِى﴾ بحسب حركته الخاصة القسرية على المدارات اليومية المتخالفة المتعددة حسب تعدد الأيام جرياً مستمراً ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ قدره الله تعالى لجريهما وهو يوم القيامة كما روي عن الحسن فإنهما لا ينقطع جريهما إلا حينئذٍ وذلك لأنه تموت الملائكة الموكلون عليهما فيبقى كل منهما خالياً كبدن بلا روح ويطمس نورهما فيلقيان في جهنم ليظهر لعبدة الشمس والقمر والنار أنها ليست بآلهة ولو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها فالجملة اعتراض بين المعطوفين لبيان الواقع بطريق الاستطراد هذا وقد جعل جريانهما عبارة عن حركتها الخاصة بهما في فلكهما والأجل المسمى عن منتهى دورتهما وجعل مدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهراً فالجملة حينئذٍ بيان لحكم تسخيرهما وتنبيه على كيفية إيلاج أحد الملوين في الآخر وكون ذلك بحسب انقلاب جريان الشمس والقمر على مداراتهما اليومية ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ عالم بكنهه عطف على أن الله يولج الخ داخل معه في حيز الرؤية فإن من شاهد ذلك الصنع الرائق والتدبير اللائق لا يكاد يغفل عن كون
٩٧
صانعه محيطاً بجلائل أعماله ودقائقها.
﴿ذَالِكَ﴾ المذكور من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري بها ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾ أي : بسبب أن الله تعالى ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ الهيته فقط ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ﴾ يعبدون ﴿مِن دُونِهِ﴾ تعالى من الأصنام ﴿الْبَـاطِلُ﴾ الهيته لا يقدر على شيء من ذلك فليس في عبادته نفع أصلاً والتصريح بذلك مع أن الدلالة على اختصاص حقية الهيته به تعالى مستتبعة للدلالة على بطلان الهية ما عداه لإبراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ﴾ المرتفع عن كل شيء ﴿الْكَبِيرُ﴾ المتسلط عليه يحتقر كل في جنب كبريائيه.
قال في "شرح حزب البحر" : من علم أنه العلي الذي ارتفع فوق كل شيء علوه مكانة وجلالاً يرفع همته إليه ولا يختار سواه ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها.
وعن علي رضي الله عنه علو الهمة من الإيمان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
قال الحافظ :
همايى ون توعالى قدر حرص استخوان حيفست
دريغا سايه همت كه برنا اهل افكندى
ومن عرف كبرياءه ونسي كبرياء نفسه تعلق بعروة التواضع والإنصاف ولزم حفظ الحرمة.
وفي "الأربعين الإدريسية" : يا كبير أنت الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته.
قال السهروردي : إذا أكثر منه المديان أدى دينه واتسع رزقه وأن ذكره معزول عن رتبة سبعة أيام كل يوم ألفاً وهو صائم فإنه يرجع إلى مرتبته ولو كان ملكاً ثم في قوله :﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ﴾ إشارة إلى أن كل ما يطلب من دونه تعالى هو الباطل فلا بد من تركه بالاختيار قبل الفوت بالاضطرار ومن المبادرة إلى طلب العلى الكبير قبل فوات الفرصة.
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيزاست والوقت سيف
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
نسأل الله التدارك.
﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَاتِهِ ا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَا فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾.