﴿وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا﴾ (وانكار نكنند نشانهاى قدرت مارا) ﴿إِلا كُلُّ خَتَّارٍ﴾ غدار فإنه نقض للعهد الفطري أو رفض لما كان في البحر.
والختر أسوء الغدر وأقبحه.
قال في "المفردات" الختر غدر يختر فيه الإنسان أي : يضعف ويكسر لاجتهاده فيه ﴿كَفُورٍ﴾ مبالغ في كفران نعم الله تعالى وإنما يذكر هذا اللفظ لمن صار عادة له كما يقال ظلوم وإنما وصف الكافر بهما لأنهما أقبح خصال فيه.
وقد عدَّ النبي عليه السلام الغدر من علامات المنافق لكن قال علي رضي الله عنه : الوفاء لأهل الغدر غدر والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله تعالى كما أن التكبر على المتكبر صدقة.
فعلى العاقل الوفاء بالعهد، وهو الخروج عن عهدة ما قيل عند الإقرار بالربوبية بقوله :﴿بَلَى﴾ حيث قال الله تعالى :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ (الأعراف : ١٧٢) وهو للعامة العبادة رغبة في الوعد ورهبة من الوعيد وللخاصة الوقوف مع الأمر لا لغرض وقد يعرض للإنسان النسيان فينسى العهد فيصير مبتلى بحسب مقامه.
ـ حكي ـ أن الشيخ أبا الخير الأقطع سئل عن سبب قطع يده فقال : كنت أتعيش من سقط مائدة الناس فخطر لي الترك والتوكل فعهدت أن لا آكل من طعام الناس ولا من حبوب الأراضي فلم يفتح الله لي شيئاً من القوت قريباً من خمسين يوماً حتى غلب الضعف على القوى ثم فتح قرصتين مع شيء من الأدام ثم إني خرجت من بين الناس وسكنت في مغارة فيوماً من الأيام خرجت من المغارة فرأيت بعض الفواكه البرية فتناولت شيئاً منها حتى إذا جعلته في فمي تذكرت العهد وألقيته وعدت إلى المغارة ففي أثناء ذلك أخذ بعض اللصوص وقطاع الطريق فقطع أيديهم وأرجلهم في حضور أمير البلدة فأخذوني أيضاً وقالوا : أنت منهم حتى إذا كنت عند الأمير قطع يدي فلما أرادوا قطع رجلي تضرعت إلى الله تعالى وقلت يا رب إن يدي هذه جنت فقطعت فما جناية رجلي فعند ذلك جاء شخص إلى الأمير كان يعرفني فوصف له الحال حتى عفا بل اعتذر اعتذاراً بليغاً فهذه حال الرجال مع الله فالعبرة حفظ العهد ظاهراً وباطناً.
قال الحافظ :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
ازدم صبح ازل تاآخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود
وأما الكفران فسبب لزوال الإيمان ألا ترى أن بلعم بن باعوراء لم يشكر يوماً على توفيق الإيمان وهداية الرحمن حتى سلب عنه والعياذ بالله تعالى.
﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَا فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌا وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِه وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِه شَيْـاًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾.
﴿أَيُّهَا النَّاسُ﴾ نداء عام لكافة المكلفين وأصله لكفار مكة ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ (برهيزيد ازعذاب وخشم خداوند خويش) وذلك بالاجتناب عن الكفر والمعاصي وما سوى الله تعالى.
قال بعض العارفين مرة يخوّفهم بأفعاله فيقول :﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ (الأنفال : ٢٥) ومرة بصفاته فيقول :﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ (العلق : ١٤) ومرة بذاته فيقول :﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ (آل عمران : ٢٨) ﴿وَاخْشَوْا﴾ الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى عليه ﴿يَوْمًا﴾.
قال في "التيسير" يجوز أن يكون على ظاهره لأن يوم القيامة مخوف ﴿لا يَجْزِى﴾ فيه ﴿وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ أي : لا يقضي عنه شيئاً من الحقوق ولا يحمل من سيآته ولا يعطيه من طاعاته يقال جزاه دينه إذا قضاه.
وفي "المفردات" الجزاء
١٠٠
الغناء والكفاية كقوله تعالى :﴿لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا﴾ (البقرة : ١٢٣) والفارسية (وبترسيد از روزى كه دفع نكند عذاب را وباز ندارد در از سر خويش) والولد ولو كان يقع على القريب والبعيد أي : ولد الولد لكن الإضافة تشير إلى الصلبي القريب فإذا لم يدفع عما هو الصق به لم يقدر أن يدفع عن غيره بالطريق الأولى.
ففيه قطع لأطماع أهل الغرور المفتخرين بالآباء والأجداد المعتمدين على شفاعتهم من غير أن يكون بينهم جهة جامعة من الإيمان والعمل الصالح
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢