﴿قُلْ يَتَوَفَّـاـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى﴾.
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ (واكر بينى اى بيننده) ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ هم القائلون أئذا ضللنا الخ.
قال في "الكواشي" : لو وإذ للماضي ودخلتا على المستقبل هنا لأن المستقبل من فعله كالماضي لتحقق وقوعه ﴿نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ النكس قلب الشيء على رأسه، وبالفارسية :(سرفرو افكندن ونكونسار كردن) أي : مطرقوا رؤوسهم ومطأطئوها في موقف العرض على الله من الحياء والحزن والغم يقولون ﴿رَبَّنَآ﴾ (اى روردكار ما) ﴿أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ أي : صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات المبصرة والمسموعة وكنا من قبل عمياً لا ندرك شيئاً ﴿فَارْجِعْنَا﴾ فأرددنا إلى الدنيا من رجعه رجعاً أي : رده وصرفه
﴿نَعْمَلْ﴾
١١٥
عملاً ﴿صَـالِحًا﴾ حسبما تقضيه تلك الآيات ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ الآن، يعني :(بى كمانيم).
قال في "الإرشاد" : ادعاء منهم لصحة الأفئدة والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بموجبها كما أن ما قبله ادعاء لصحة مشعري البصر والسمع كأنهم قالوا أيقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئاً أصلاً وجواب لو محذوف أي : لرأيت أمراً فظيعاً فهذا الأمر مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل كأنه قيل قد انقضى الأمر ومضى لكنك ما رأيته ولو رأيته لرأيت أمراً فظيعاً.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أهل الدنيا من المجرمين وكان جرمهم أنهم نكسوا رؤوسهم في أسفل الدنيا وشهواتها بعد أن خلقوا رافعي رؤوسهم عند ربهم يوم الميثاق عنداستماع خطاب ألست بربكم حيث رفعوا رؤوسهم وقالوا : بلى فلما ابتلوا بالدنيا وشهواتها وتزيينها من الشيطان نكسوا رؤوسهم بالطبع فيها فصاروا كالبهائم والأنعام في طلب شهوات الدنيا كما قال تعالى :﴿أولئك كَالانْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (الأعراف : ١٧٩) لأن للأنعام ضلالة طبيعية جبلية في طلب شهوات الدنيا وما كانوا مأمورين بعبودية الله ولا منهيين عن الشهوات حتى يحصل لهم ضلالة مخالفة للأمر والنهي وللإنسان شركة مع الأنعام في الضلالة الطبيعية بميل النفس إلى الدنيا وشهواتها وله اختصاص بضلالة المخالفة فلهذا صار أضل من الأنعام فكما عاشوا ناكسي رؤوسهم إلى شهوات الدنيا ماتوا فيما عاشوا فيه ثم حشروا على ما ماتوا عليه ناكسي رؤوسهم عند ربهم وقد ملكتهم الدهشة وغلبتهم الخجلة فاعتذروا حين لا عذر واعترفوا حين لا اعتراف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
سر ازجيب غفلت بر آور كنون
كه فردا نماند بخجلت نكون
كنونت كه شمست اشكى ببار
زبان دردهانست عذرى بيار
نه بيوسته باشد روان در بدن
نه همواره كردد زبان در دهن
﴿وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا﴾ مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله ﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا﴾ أي : ونقول لو شئنا أي : لو تعلقت مشيئتنا تعلقاً فعلياً بأن نعطي كل نفس من النفوس البرّة والفاجرة ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق لهما لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء ﴿وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى﴾ ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو ﴿لامْلَأَنَّ﴾ (نا ر ركنيم) ﴿جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ﴾ بالكسر جماعة الجن والمراد الشياطين وكفار الجن ﴿وَالنَّاسِ﴾ الذين اتبعوا إبليس في الكفر والمعاصي ﴿أَجْمَعِينَ﴾ يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر.
وقال بعضهم :﴿وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى﴾ أي : سبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله :﴿لاغْوِيَنَّهُمْ﴾ الآية ﴿لامْلَأَنَّ﴾ الخ.
وفي "التأويلات" :﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ في الأزل هدايتكم وهداية أهل الضلالة ﴿لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا﴾ بإصابة رشاش النور على الأرواح ﴿وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى﴾ قبل وجود آدم وإبليس ﴿لامْلَأَنَّ﴾ إلخ ولكن تعلقت المشيئة بإغواء قوم كما تعلقت بإهداء قوم وأردنا أن يكون للنار قطان كما أردنا أن يكون للجنة سكان إظهاراً لصفات لطفنا وصفات قهرنا لأن الجنة وأهلها مظهر لصفات لطفي والنار وأهلها مظهر لصفات قهري وإني فعال لما أريد.
وفي "عرائس البيان" إن جهنم فم قهره انفتح ليأخذ نصيبه ممن له
١١٦
استعداد مباشرة القهر كما أن الجنة فم لطفه انفتح فيأخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة لطفه فاللطيف يرجع إلى اللطيف والكثيف يرجع إلى الكثيف ولو شاء لجعل الناس كلهم عارفين به ولكن جرى القلم في الأزل بالوعد والوعيد كما قال ابن عطاء قدس سره : لو شئنا لوفقنا كل عبد لرضانا ولكن حق القول بالوعد والوعيد ليتم الاختيار.