وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أرباب الطلب وأصحاب السلوك إذا وقعت لأحدهم في أثناء السلوك وقفة لعجب تداخله أو لملالة وسآمة نفس أو لحسبان وغرور قبول أو وقعت له فترة بالتفاته إلى شيء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله إما ببلاء في نفسه أو ماله أو بيته من أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلهم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا أيام العطلة قبل أن يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب كما قال تعالى :
١٢٤
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْـاِدَتَهُمْ﴾ (الأنعام : ١١٠) الآية لعلهم يرجعون إلى صدق طلبهم وعلو محبتهم.
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّه ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ﴾.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ (وكيست ستمكارتر) ﴿مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ﴾ أي : وعظ بالقرآن ﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ﴾ فلم يتفكر فيها ولم يقبلها ولم يعمل بموجبها وثم لاستبعاد الإعراض عنها مع غاية وضوحها وإرشادها إلى سعادة الدارين كقولك لصاحبك : دخلت المسجد ثم لم تصل فيه استبعاداً لتركه الصلاة فيه.
والمعنى هو أظلم من كل ظالم وإن كان سبك التركيب على نفي الأعظم من غير تعرض لنفي المساوي ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي : من كل من اتصف بإجرام وإن هانت جريمته.
﴿مُنتَقِمُونَ﴾ فكيف من كان أظلم من كل ظالم وأشد جرماً من كل مجرم، وبالفارسية :(انتقام كشيد كانيم هلاك وعذاب) يقال نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة والنقمة العقوبة والانتقام (كينه كشيدن) فإذا نبه العبد بأنواع الزجر وحرك في تركه حدود الوفاق بصنوف من التأديب ثم لم يرتدع عن فعله واغتر بطول سلامته وأمن هواجم مكر الله وخفايا أمره أخذه بغتة بحيث لا يجد فرجة من أخذته كما قال :﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي : المصرين على جرمهم ﴿مُنتَقِمُونَ﴾ بخسارة الدارين، قال الحافظ :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
كمين كهست وتوخوش تيزميروى هش دار
مكن كه كرد بر آيد زشهره عدمت
وفي الحديث :"ثلاثة من فعلهن فقد أجرم من عقد لواء في غير حق ومن عق لوالديه ومن نصر ظالماً".
واعلم أن الظلم أقبح الأمور ولذلك حرمه الله على نفسه فينبغي للعاقل أن يتعظ بمواعظ الله ويتخلق بأخلاقه ويجتنب عن أذية الروح بموافقة النفس والطبيعة وأذية عباد الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استند إلى جدار الكعبة وقال : يا كعبة ما أعظم حرمتك على الله لكني لو هدمتك سبع مرات كان أحب إلي من أن أوذي مسلماً مرة واحدة.
وعن وهب بن منبه أنه قال : جمع عالم من علماء بني إسرائيل سبعين صندوقاً من كتب العلم كل صندوق سبعون ذراعاً فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان أن قل لهذا العالم لا تنفعك هذه العلوم وإن جمعت أضعافاً مضاعفة ما دام معك ثلاث خصال حب الدنيا ومرافقة الشيطان وأذى مسلم فهذه الأسباب توقع الإنسان في ورطة الانتقام وانتقام الله لا يشبه انتقام غيره ألا ترى أنه وصف العذاب بالأكبر.
وفي الحديث "إن في أهون باب منها سبعين ألف جبل من نار وفي كل جبل سبعون ألف واد من نار وفي كل واد سبعون ألف شعب من نار وفي كل شعب سبعون ألف مدينة من نار وفي كل مدينة سبعون ألف دار من نار وفي كل دار سبعون ألف قصر من نار وفي كل قصر سبعون ألف صندوق من نار وفي كل صندوق سبعون ألف نوع من العذاب ليس فيها عذاب يشاكل عذاباً" فسمع عمر رضي الله عنه فقال : يا ليتني كنت كبشاً فذبحوني وأكلوني ولم أسمع ذكر جهنم.
وقال أبو بكر رضي الله عنه يا ليتني كنت طيراً في المفازة ولم أسمع ذكر النار.
وقال علي رضي الله عنه يا ليت أمي لم تلدني ولم أسمع ذكر جهنم نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الوقوع في أسباب العذاب والوقوف في مواقف المناقشة وسوء الحساب وهو الذي خلق فهدى إلى طريق رضاه ومنه الثبات على دينه الموصل إلى جنته وقربته ووصلته ولقاه.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ﴾ أي : التوراة ﴿فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ﴾ أي : شك.
١٢٥
وفي "المفردات" المرية التردد في الأمر وهو أخص من الشك ﴿مِّن لِّقَآاـاِهِ﴾ اللقاء (ديدن) يقال لقيه كرضيه رآه.
قال الراغب يقال ذلك في الإدراك بالحس بالبصر وبالبصيرة وهو مضاف إلى مفعوله.
والمعنى من لقاء موسى الكتاب فإنا ألقينا عليه التوراة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦