وفيه إشارة إلى أن النبيين والشهداء، إذا دعوا للقضاء والحكومة والمحاسبة، فكيف يكون حال الأمم وأهل المعاصي والذنوب.
دران روز كز فعل برسند وقول
أولوا العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا
تو عذر كنه را جه دارى بيا
﴿وَقُضِىَ﴾.
(حكم كرده شود).
﴿بَيْنَهُم﴾ ؛ أي : بين العباد.
﴿بِالْحَقِّ﴾ : بالعدل.
﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب، وزيادة عقاب على ما جرى به الوعد، وكما فتح الآية بإثبات العدل ختمها بنفي الظلم.
﴿وَوُفِّيَتْ﴾ (وتمام داده شود).
﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس المكلفة.
﴿مَّا عَمِلَتْ﴾ ؛ أي : جزاء ما عملت من الخير والشر والطاعة والمعصية.
﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿أَعْلَمُ﴾
١٤٠
منهم ومن الشهداء ﴿بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ إذ هو خالق الأفعال، فلا يفوته شيء من أفعالهم، وإنما يدعو الشهداء لتأكيد الحجة عليهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا كان يوم القيامة بدل الله الأرض غير الأرض، وزاد في عرضها وطولها كذا وكذا، فإذا استقر عليها أقدام الخلائق برّهم وفاجرهم أسمعهم الله كلامه يقول : إن كتابي كانوا يكتبون ما أظهرتم، ولم يكن لهم علم بما أسررتم، فأنا عالم بما أظهرتم وبما أسررتم، ومحاسبكم اليوم على ما أظهرتم، وعلى ما أسررتم، ثم أغفر لمن شاء منكم.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : الملك لا سبيل له إلى معرفة باطن العبد في قول أكثرهم.
وقال في "ريحان القلوب" : الذكر الخفي ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت، وهو خاص به صلى الله عليه وسلّم ومن له به أسوة حسنة.
انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
يقول الفقير : لا شك أن الحفظة تستملي من خزنة اللوح المحفوظ، فيعرفون كل ما وقع من العبد من فعل ظاهر وعزم باطن، ولكن يجوز أن يكون من الأسرار ما لا يطلع عليه غيره سبحانه وتعالى.
واعلم أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى : أين اللوح المحفوظ؟ فيؤتى به وله صوت شديد، فيقول الله : أين ما سطرت فيك من توراة وزبور وإنجيل وفرقان؟ فيقول : يا رب، نقله مني الروح الأمين، فيؤتى به، وهو يرعد وتصطك ركبتاه، فيقول الله تعالى : يا جبريل، هذا اللوح يزعم أنك نقلت منه كلامي ووحيي أصدق؟ فيقول : نعم يا رب، فيقول : فما فعلت فيه؟ فيقول : أنهيت التوراة إلى موسى والزبور إلى داود والإنجيل إلى عيسى والقرآن إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين.
وأنهيت إلى كل رسول رسالته، وإلى أهل الصحف صحائفهم، فإذا النداء : يا نوح، فيؤتى به ترعد فرائصه وتصطك ركبتاه، فيقول : يا نوح زعم جبرائيل أنك من المرسلين.
قال : صدق يا رب، فقال : فما فعلت مع قومك؟ قال : دعوتهم ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، فإذا النداء : يا قوم نوح، فيؤتى بهم زمرة واحدة، فيقول لهم : هذا نوح زعم أنه بلغكم الرسالة، فيقولون : يا رب كذب ما بلغنا شيئاً، ثم ينكرون الرسالة، ثم يقول الله تعالى : يا نوح ألك بينة عليهم؟ فيقول : نعم يا رب، بيّنتي عليهم محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته، فيقولون : كيف ذلك ونحن أول الأمم وهم آخر الأمم، فيؤتى بالنبي عليه السلام، فيقول الله تعالى : يا محمد هذا نوح يستشهد بك، فيشهد له بتبليغ الرسالة، ويتلو :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ (نوح : ١) إلى آخر السورة، فيقول الله تعالى : قد وجب عليكم الحق وحقت كلمة العذاب على الكافرين، فيؤمر بهم زمرة واحدة إلى النار من غير وزن أعمال ووضع حساب، وهكذا يفعل بسائر الأمم أجمعين، فإن القرآن نطق بهم وبأحوالهم.
وقد جاء : أن رجلاً يقف بين يدي الله، فيقول : يا عبد السوء كنت مجرماً عاصياً، فيقول : لا، والله ما فعلت فيقال له : عليك بينة، فيؤمر بحفظته، فيقول : كذبوا عليّ، فتشهد جوارحه عليه ويؤمر به إلى النار، فيجعل يلوم جوارحه، فيقولون : ليس من اختيارنا، أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء.
وهكذا يشهد الزمان والمكان ونحوهما، فطريق الخلاص أن لا تشهد اليوم غير الله وتشتغل بذكره وطاعته عما سواه.
قال الشيخ سعدي :
دريغست كه فر موده ديو زشت
كه دست ملك برتو خواهد نوشت
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
روا دارى از جهل ونا باكيت
كه باكان نويسند ناباكيت
١٤١
طريقي بدست آر وصلحى بجوى
شفيعى برانكيز وعذرى بكوى
كه يك لحظه صورت نبندد امان
جو بيمانه برشد بدور زمان
﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَا قَالُوا بَلَى وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon