﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ﴾ مع إمامهم حال كونهم ﴿زُمَرًا﴾ : جماعة جماعة، وبالفارسية :(كروه كروه)، جمع زمرة، وهي الجمع القليل.
ومنه قيل : شاة زمرة قليلة الشعر، واشتقاقها من الزمر، وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه.
والسوق بالفارسية :(راندن) ؛ أي : سيقوا إليها بعد إقامة الحساب بأمر يسير من قبلنا.
وذلك بالعنف والإهانة حال كونهم أفواجاً متفرقة بعضها في إثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة وتتلقاهم جهنم بالعبوسة، كما تلقوا الأوامر والنواهي والآمرين والناهين بمثل ذلك.
﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا﴾ حتى هي التي تحكى بعد الجملة.
يعني :(تاجون بيايند بدوزخ بر صفت دلت وخوارى).
وجواب إذا قوله :﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ السبعة ليدخلوها كما قال تعالى :﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ ()، وفائدة إغلاقها إلى وقت مجيئهم تهويل شأنها، وإيقاد حرها.
قال في "أسئلة الحكم" : أهل النار يجدونها مغلقة الأبواب كما هي حال السجون، فيقفون هناك حتى يفتح لهم إهانة لهم وتوبيخاً.
يقول الفقير : هذا من قبيل العذاب الروحاني، وهو أشد من العذاب الجسماني، فليس وقوفهم عند الأبواب أولى لهم من تعجيل العذاب يؤيده أن الكافر حين يطول قيامه في شدة وزحمة وهول، يقول : يا رب أرحني ولو كان بالنار.
وفيه إشارة إلى الأوصاف الذميمة النفسانية السبعة : وهي الكبر والبخل والحرص والشهوة والحسد والغضب والحقد، فإنها أبواب جهنم وكل من يدخل فيها لا بد له من أن يدخل من باب من أبوابها، فلا بد من تزكيتها وتخلية النفس عنها.
﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ﴾ تقريعاً وتوبيخاً في الإيلام والتوجيع واحدها خازن، وهو حافظ الخزانة وما فيها.
والمراد : حفظة جهنم وزبانيتها وهم : الملائكة الموكلون بتعذيب أهلها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ من جنسكم آدميون مثلكم ليسهل عليكم مراجعتهم وفهم كلامهم.
﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ رَبِّكُمْ﴾، وهو ما أنزل الله على الأنبياء.
﴿وَيُنذِرُونَكُمْ﴾ يخوفونكم.
﴿لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَا﴾ ؛ أي : وقتكم هذا، وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة.
وذلك لأن الإضافة اللامية تفيد الاختصاص، ولا اختصاص ليوم القيامة بالكفار.
وقد جاء استعمال اليوم والأيام مستفيضاً في أوقات الشدة، فلذلك حمل على الوقت.
وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث أنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب.
﴿قَالُوا بَلَى﴾.
قد أتونا وتلوا علينا.
وأنذرونا فأقرّوا في وقت لا ينفعهم الإقرار والاعتراف.
﴿وَلَـاكِنْ حَقَّتْ﴾ : وجبت ﴿كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾، وهي قوله تعالى لإبليس :﴿لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (ص : ٨٥).
﴿عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ : وقد كنا ممن تبع إبليس، فكذبنا الرسل.
وقلنا : ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا تكذبون.
امروز قدر بد عزيزان شناختيم
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَا﴾ ؛ أي : مقدراً خلودكم فيها وإبهام القائل لتهويل المقول.
وفيه إشارة إلى أن الحكمة الإلهية اقتضت إظهاراً لصفة القهر أن يخلق النار، ويخلق
١٤٢
لها أهلاً، كما أنه تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً إظهاراً لصفة اللطف، فلهذه الحكمة.
قيل في الأزل قهراً وقسراً : ادخلوا أبواب جهنم.
وهي الصفات الذميمة السبع التي مرّ ذكرها خالدين فيها بحيث لا يمكن الخروج من هذه الصفات الذميمة بتبديلها كما يخرج المتقون منها.
﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ ؛ أي : بئس منزل المتكبرين عن الإيمان والطاعة والحق جهنم.
وبالفارسية :(بد آرا مكاهست متكبرا نرا دوزخ).
واللام : للجنس، ولا يقدح ما فيه من الإشعار بأن كونهم مثواهم جهنم لتكبرهم عن الحق في أن دخولهم النار بسبق كلمة العذاب عليهم، فإنها إنما حقت عليهم بناء على تكبرهم وكفرهم فتكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عن ذلك السبق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفيه إشارة إلى أن العصاة صنفان : صنف منهم متكبرون، وهم المصرون متابعوا إبليس فلهم الخلود في النار.
وصنف منهم متواضعون، وهم التائبون متابعوا آدم، فلهم النجاة.
وبهذا الدليل ثبت أن ليس ذنب أكبر بعد الشرك من الكبر، بل الشرك أيضاً يتولد من الكبر كما قال تعالى :﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ (البقرة : ٣٤).
وهذا تحقيق قوله تعالى :(الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما ألقيته في النار).
ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلّم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر"، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً.
قال :"إن الله جميل يحب الجمال".
الكبر : بطر الحق وغمط الناس ؛ أي : تضييع الحق في أوامر الله ونواهيه، وعدم تقاته واستحقار الناس وتعييبهم.
ذكر الخطابي في تأويل الحديث وجهين :