أحدهما : أن المراد التكبر عن الإيمان.
والثاني : أن ينزع عنه الكبر بالتعذيب، أو بالعفو، فلا يدخل الجنة مع أن يكون في قلبه مثقال ذرة منه كما قال تعالى :﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ (الأعراف : ٤٣)، ويمكن أن يقال : معناه أن الكبر مما لو جازى الله بأدنى مقداره لكان جزاؤه عدم دخول الجنة، ولكن تكرم بأن لا يجازي به، بل يدخل كل موحد الجنة كذا في "شرح المشارق" لابن الملك.
يقول الفقير : إن الحديث واقع بطريق التغليظ والتشديد.
والوجه الثاني للخطابي بعيد لكون جميع الخطايا كذلك، فلا معنى حينئذٍ للتخصيص.
قال المولى الجامي :
جمعست خيرها همه درخانه ونيست
آن خانه راكليد بغير از فروتنى
شرها بدين قياس بيك خانه است جمع
وانرا كليد نيست بجز مائى ومنى
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَـالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ نَتَبَوَّأُ﴾.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ﴾ حال كونهم.
﴿زُمَرًا﴾ جماعات متفاوتين حسب تفاوت مراتبهم في الفضل وعلو الطبقة، وذلك قبل الحساب أو بعده يسيراً، أو شديداً، وهو الموافق لما قبل الآية من قوله :﴿وَوُضِعَ الْكِتَـابُ﴾ والسائقون : هم الملائكة بأمر الله تعالى يسوقونهم مساق إعزاز وتشريف بلا تعب ولا نصب، بل بروح وطرب للإسراع بهم إلى دار الكرامة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
والمراد : المتقون عن الشرك، فهؤلاء عوام أهل الجنة وفوق هؤلاء من قال الله تعالى فيهم :﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الشعراء : ٩٠).
وفوقهم من قال فيهم :﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـانِ وَفْدًا﴾ (مريم : ٨٥).
وفرق بين من يساق إلى الجنة وبين من قرب إليه الجنة.
وفي الحقيقة أهل السوق هم الظالمون وأهل الزلفة المقتصدون، وأهل الوفاء السابقون.
واعلم أنه إذا نفخ في الصور نفخة الإعادة واستوى كل واحد من الناس على قبره يأتي كل منهم عمله، فيقول له : قم وانهض إلى المحشر،
١٤٣
فمن كان له عمل جيد يشخص له عمله بغلاً.
ومنهم من يشخص له عمله حماراً.
ومنهم من يشخص له عمله كبشاً تارة يحمله وتارة يلقيه، وبين يدي كل واحد منهم نور شعشعاني كالمصباح وكالنجم وكالقمر وكالشمس بقدر قوة إيمانهم وصلاح حالهم، وعن يمينه مثل ذلك النور، وليس عن شمائلهم نور، بل ظلمة شديدة يقع فيها الكفار والمرتابون والمؤمن يحمد الله تعالى على ما أعطاه من النور، ويهتدي به في تلك الظلمة.
ومن الناس من يسعى على قدميه وعلى طرف بنانه.
قيل لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم : كيف يحشر الناس يا رسول الله، قال :"اثنان على بغير وخمسة على بغير وعشرة على بعير".
وذلك أنهم إذا اشتركوا في عمل يخلق الله لهم من أعمالهم بعيراً يركبون عليه كما يبتاع جماعة مطية يتعاقبون عليها في الطريق، فاعمل هداك الله عملاً يكون لك بعيراً خالصاً من الشرك.
ومنه يعلم حال التشريك في ثواب العمل، فالأولى أن يهدى من المولى لكل ثواب على حدة من غير تشريك الآخر فيه.
روي : أن رجلاً من بني إسرائيل ورث من أبيه مالاً كثيراً، فابتاع بستاناً، فحبسه على المساكين.
وقال : هذا بستاني عند الله وفرق دراهم عديدة في الضعفاء.
وقال : اشترى بها من الله جواري وعبيداً وأعتق رقاباً كثيرة، وقال : هؤلاء خدمي عند الله والتفت يوماً إلى رجل أعمى يمشي تارة ويكب أخرى، فابتاع له مطية يسير عليها.
وقال : هذه مطيتي عند الله أركبها.
قال عليه السلام في حقه :"والذي نفسي بيده لكأنني أنظر إليها، وقد جيء بها إليه مسرجة ملجمة يركبها ويسير بها إلى الموقف" :
در خير بازست وطاعت وليك
نه هركس تواناست بر فعل نيك
﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا﴾.
(تاجون بيايند به بهشت).
﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ ؛ أي : والحال أنه قد فتحت أبوابها الثمانية لئلا يصيبهم وصب الانتظار مع أن دار الفرح والسرور لا تغلق للأضياف والوافدين باب الكرم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
فإن قلت : يرد على كون أبواب الجنان مفتحة لهم عند مجيئهم إليها قوله عليه السلام :"أنا أول من يستفتح باب الجنة".
قلت : قد حصل الفتح المقدم على الوصول بدعوته عليه السلام بالاستقتاح، ولو لم يكن دعاؤه قد سبق لما فتحت، ثم تبقى الأبواب بدعائه مفتوحة إلى أن يفرغ من الحساب، فإذا جاء أهل الجنة بعد الحساب والصراط يجدونها مفتوحة ببركة دعائه المقدم على ذلك.
وفي الحديث :"أنا أول من يقرع باب الجنة، "والجنة محرمة على جميع الأمم حتى أدخلها أنا وأمتي الأول، فالأول".


الصفحة التالية
Icon