يقول الفقير : أولية الاستفتاح والقرع تمثيل لأولية الدخول، فلا حاجة إلى توجيه آخر.
وعرف كون أبواب الجنة ثمانية بالأخبار كما قال عليه السلام :"إن للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان إلا بينهما سير الراكب سبعين عاماً وما بين كل مصراعين من مصارع الجنة مسيرة سبع سنين".
وفي رواية :"مسيرة أربعين سنة".
وفي رواية :"كما بين مكة وبصرى".
وقيل : عرف بواو الثنانية، وفيه أن واو الثمانية غير مطردة.
وقد سبق ما يتعلق بهذه الواو في آخر سورة التوبة.
قال بعضهم : كون أبواب النار سبعة وأبواب الجنة ثمانية ؛ لأن الجنة منه تعالى فضل، والنار عد والفضل أكثر من العدل، والجنة من الرحمة والنار من الغضب والرحمة سابقة وغالبة على الغضب.
وقيل : ليس في النار إلا الجزاء،
١٤٤
والزيادة في العذاب جور، وفي الثواب كرم.
وقيل : لأن الأذان سبع كلمات، والإقامة ثمان.
كذلك أبواب جهنم سبعة وأبواب الجنة ثمانية، فمن أذن وأقام غلقت عنه أبواب النيران السبعة، وفتحت له أبواب الجنة الثمانية.
وجواب إذا محذوف ؛ أي : كان ما كان مما يقصر عنه البيان.
وقال بعضهم : وفتحت جواب إذا، والواو زائدة للإيذان بأنها كانت مفتحة عند مجيئهم.
﴿وَقَالَ لَهُمْ﴾ ؛ أي : للمتقين عند دخولهم الجنة.
﴿خَزَنَتُهَآ﴾ حفظة الجنة رضوان وغيره من الملائكة.
﴿سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ﴾ من جميع المكاره والآلام، فهو خبر لا تحية.
وقال الكاشفي :(درود برشما باسلامتى وايمنى لازم حال شما).
وهذا لعوام أهل الجنة وأما لخواصهم، فيقول الله : سلام قولاً من رب رحيم، فإن السلام في الجنة من وجوه : فالسلام الأول، وإن كان سلام الله، ولكن بالواسطة.
والثاني : سلام خاص بلا واسطة بعد دخولهم في الحضرة.
﴿طِبْتُمْ﴾ طهرتم من دنس المعاصي أو طبتم نفساً، بما أتيح لكم من النعيم (واز حضرت مرتضى كرم الله وجه منقولست جون بهشتيان بدير بهشت رسند انجادر ختى بينندكه ارزيران دو جشمه بيرن مى أيدبس دريك جشمه غسل كنند ظاهر ايشان يا كيزه شود واز ديكرى بياشامند باطن ايشان منور ومطهر كردد ودرين حال ملائكة كويند باك شديد بظاهر وباطن) ﴿فَادْخُلُوهَا﴾ ؛ أي : الجنة ﴿خَـالِدِينَ﴾.
والفاء : للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم سواء كان طيباً بعفو وبتعذيب إذ كل منهما مطهر، وإنما طهر ظاهرهم لحسن إقرارهم وأعمالهم البدنية وباطنهم لحسن نياتهم وعقائدهم، وفي "عرائس البقلي" : ذكر الله وصف غبطة الملائكة على منازل الأولياء والصديقين.
وذلك قوله سلام عليكم طبتم ؛ أي : أنتم في مشاهدة جماله أبداً طيبين بلذة وصاله سالمين عن الحجاب، وذلك أن الله تعالى قد أحسن إلى النبيين والمرسلين وأفاضل المؤمنين بالمعارف والأحوال والطاعات والإذعان ونعيم الجنان ورضى الرحمن، والنظر إلى الديان مع سماع تسليمه وكلامه وتبشيره بتأييد الرضوان، ولم يثبت للملائكة مثل ذلك :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
ملائك راجه سوداز حسن طاعت
جو فيض عشق بر آدم فروريخت
ومن آثار العشق كونه مأموراً بالجهاد والصبر على البلايا والمحن والرزايا ؛ أي : المصائب وتحمل مشاق العبادات لأجل الله تعالى، وليس للملائكة العشق ولا الابتلاء الذي هو من أحكامه، وإن كانوا يسبحون الليل والنهار لا يفترون فرب عمل يسير أفضل من تسبيح كثير، وكم من نائم أفضل من قائم وكون أجسادهم من نور، وأجساد البشر من لحم وشحم ودم لا يفضلهم عليهم في الحقيقة، فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور فرب ماء حياة في ظلمات.
قال الصائب :
فروغ كوهر من از نزاد حورشيد ست
بتيركى نتوان كرد بايمال مراد
وقال :
بر بساط بوريا سير دو عالم ميكنيم
با وجودنى سوارى برق جولا نيم ما
﴿وَقَالُوا﴾ :(وكويند مؤمنان جون به بهشت داريند).
﴿الْحَمْدُ﴾ : جميع المحامد مخصوص به تعالى.
﴿الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ (راست كرد باما وعده خود رابه بعث وثواب).
قال جعفر
١٤٥
الصادق رضي اللهعنه : هو حمد العارفين الذين استقروا في دار القرار مع الله.
وقوله : الحمدالذي أذهب عنا الحزن حمد الواصلين، قال سهل رضي الله عنه : منهم من حمد الله على تصديق وعده.
ومنهم : من حمد الله لأنه يستوجب الحمد في كل الأحوال لما عرف من نعمه وما لا يعرفه وهو أبلغ لكونه حال الخواص.
﴿وَأَوْرَثَنَا الارْضَ﴾ يريدون المكان الذي استقروا فيه من أرض الجنة على الاستعارة وإيراثها إعطاؤها وتمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم، أو تمكينهم من التصرف فيما فيها تمكين الوارث فيما يرثه.
وفي "التأويلات النجمية" : صدق وعده للعوام بقوله : وأورثنا الأرض إلى آخره وصدق وعده للخواص بقوله :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ (يونس : ٢٦) وصدق وعده لأخص الخواص بقوله :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَنَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾ () فنعم أجر العاملين العاشقين.