﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ﴾.
قال في "تاج المصادر" :(التبوؤ كرفتن جاى).
أخذ من المباءة، وهي المحلة ويتعدى إلى مفعول واحد، وقال أبو علي : يتعدى إلى مفعولين أيضاً.
انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وبوأت له مكاناً سويته وهيأته.
والمعنى بالفارسية :(جاي ميكريم از بهشت هركجامى خواهيم ونزول وقرار ميكنيم) ؛ أي : يتبوأ كل واحد منا في أي مكان أراده من جنة الواسعة لا من جنة غيره على أن فيها مقامات معنوية لا يتمانع واردوها كما قال في "التفسير الكبير".
قال حكماء الإسلام : الجنة نوعان : الجنات الجسمانية والجنات الروحانية.
فالجنات الجسمانية لا تحتمل المشاركة.
وأما الروحانية، فحصولها لواحد لا يمنع لها لآخرين.
وفي تفسير الفاتحة للفناري رحمه الله : اعلم أن الجنة جنتان : جنة محسوسة، وجنة معنوية.
والعقل يعقلهما معاً، كما أن العالم عالمان : لطيف وكثيف وغيب وشهادة، والنفس الناطقة المخاطبة المكلفة لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف من طريق نظرها، ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات، مما تناله بالنفس الحيوانية من طريق قواها الحسية من أكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات طيبة وجمال حسي في نساء كاعبات ووجوه حسان، وألوان متنوعة وأشجار وأنهار.
كل ذلك تنقله الحواس إلى النفس الناطقة، فتلتذ به، ولو لم يتلذ إلا الروح الحساس الحيواني لا النفس الناطقة، لكان الحيوان يلتذ بالوجه الجميل من المرأة، أو الغلام بالألوان.
واعلم أن الله خلق هذه الجنة المحسوسة بطالع الأسد الذي هو الإقليد وبرجه، وهو الأسد.
وخلق الجنة المعنوية التي هي روح هذه الجنة المحسوسة من الفرح الإلهي من صفة الكمال والابتهاج والسرور، فكانت الجنة المحسوسة كالجسم والمعقولة كالروح وقواه.
ولهذا سماها الحق الدار الحيوان لحياتها وأهلها يتنعمون فيها حساً.
ومعنى الجنة أيضاً، أشد تنعماً بأهلها الداخلين فيها، وكذا تطلب ملئها من الساكنين.
وقد ورد خبر عن النبي عليه السلام :"إن الجنة اشتاقت إلى بلال وعلي وعمار وسليمان".
انتهى ما في "التفسير" المذكور.
وفي الخبر :"إن الجنان تستقبل إلى أربعة نفر : صائمي رمضان، وتالي القرآن وحافظي اللسان ومطعمي الجيران".
يقول الفقير : على هذا السر يدور قوله عليه السلام في حق جبل أحد بالمدينة :"أحد يحبنا ونحبه".
وذلك لأنه ملحق بالجنان كسائر المواضع الشريفة، فله الحياة والإدراك، وإن كان خارجاً عن دائرة العقل الجزئي.
وقال في "الأسئلة المقحمة" : كيف قال : حيث نشاء، ومعلوم أن بعضهم لا ينزل مكان غيره
١٤٦
إلا بإذن صاحبه.
والجواب : أن هذا وأمثاله مبالغات يعبر بها عن أحوال السعة والرفاهية، ثم قد قيل : لا يخلق الله في قلوب أهل الجنة خاطراً يخالف أحكامهم التي كانوا مكلفين بها في دار الدنيا.
انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "الكواشي" : هذه إشارة إلى السعة والزيادة على قدر الحاجة ؛ لا أن أحداً ينزل في غير منزله.
وفي "فتح الرحمن" روي : أن أمة محمد تدخل أولاً الجنة، فتنزل حيث تشاء منها، ثم يدخل سائر الأمم.
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ﴾ : الجنة يعني :(بس نيكوست ثواب فرمان برندكان).
قال بعض الكبار : ما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير، ولا ترك محرم، ولا مكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها، وما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها.
والتفاضل على مراتب، فمنها بالسن، ولكن في الطاعة والإسلام، فيفضل كبير السن على صغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل.
ومنها : بالزمان، فإن العمل في رمضان.
وفي يوم الجمعة، وفي ليلة القدر.
وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الزمان.
ومنها : بالمكان، فالصلاة في المسجد الحرام أفضل منها في مسجد المدينة، وهي من الصلاة في المسجد الأقصى، وهي منها في سائر المساجد.
ومنها : بالأحوال، فإن الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده.
ومنها : بنفس الأعمال، فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى.
ومنها : في العمل الواحد، فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة، وكذا من أهدى هدية لشريف من أهل البيت أفضل من أن يهدي لغيره، أو أحسن إليه.
ومن الناس من يجمع في الزمن الواحد أعمالاً كثيرة، فيصرف سمعه وبصره ويده، فيما ينبغي في زمان صومه وصدقته، بل في زمان صلاته في زمان ذكره في زمان نيته من فعل وترك، فيؤجر في الزمن الواحد من وجوه كثيرة، فيفضل غيره ممن ليس له ذلك نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الجامعين بين صالحات الأعمال والمسارعين إلى حسنات الأفعال :
جواز جايكاه دويدن كرو
نبردى هم افتان وحيران برو
كران باد بابان بر فتندتيز
تولى دست وبا از نشتن بخيز


الصفحة التالية
Icon