وفيه إشارة إلى أن كل عصر يكون فيه صاحب ولاية لا بد له من أرباب الجحود والإنكار وأهل الاعتراض كما كانوا في عهد كل نبي ورسول.
﴿وَجَـادَلُوا﴾ :(وخصومت كردند با بيغمبران خود).
﴿بِالْبَـاطِلِ﴾ : الذي لا أصل ولا حقيقة له أصلاً.
قال في "فتح الرحمن" : الباطل ما كان فائت المعنى من كل وجه مع وجود الصورة، إما لانعدام الأهلية، أو لانعدام المحلية كبيع الخمر وبيع الصبي.
﴿لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ ؛ أي : ليزيلوا بذلك الباطل الحق الذي لا محيد عنه كما فعل هؤلاء.
﴿فَأَخَذْتُهُمْ﴾ بالإهلاك جزاء لهمهم بالأخذ.
﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ ؛ أي : عقابي الذي عاقبتهم به فإن آثار دمارهم كما ترونها حين تمرون على ديارهم عبرة للناظرين، ولآخذن هؤلاء أيضاً لاتحادهم في الطريقة واشتراكهم في الجريمة كما ينبىء عنه قوله :
﴿وَكَذَالِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ ؛ أي : كما وجب وثبت حكمه تعالى وقضاؤه بالتعذيب على أولئك الأمم المكذبة المتحزبة على رسلهم المجادلة بالباطل لإدحاض الحق به وجب أيضاً.
﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ؛ أي : كفروا ربك وتحزبوا عليك وهموا بما لم ينالوا، فالمقصود عبارة عن كفار قومه عليه السلام، وهم قريش لا عن الأمم المهلكة.
﴿أَنَّهُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ﴾ في حيز النصب بحذف لام التعليل، وإيصال الفعل ؛ أي : لأنهم مستحقو أشد العقوبات وأفظعها التي هي عذاب النار وملازموها أبداً لكونهم كفاراً معاندين متحزبين على الرسول عليه السلام كدأب من قبلهم من الأمم المهلكة، فهم لسائر فنون العقوبات أشد استحقاقاً وأحق استيجاباً فعلة واحدة
١٥٤
تجمعهم، وهي أنهم أصحاب النار.
وقيل : في محل الرفع على أنه بدل من كلمة ربك بدل الكل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والمعنى : مثل ذلك الوجوب، وجب على الكفرة المهلكة كونهم من أصحاب النار ؛ أي : كما وجب إهلاكهم في الدنيا بعذاب الاستئصال كذلك.
وجب تعذيبهم بعذاب النار في الآخرة.
فالتشبيه واقع حالتيهم، والجامع للطرفين إيجاب العذاب ومحل الكاف على التقديرين النصب على أنه نعت لمصدر محذوف في الآية إشارة إلى أن الإصرار مؤدي إلى الأخذ والانتقام في الدنيا والآخرة، فعلى العاقل أن يرجع إلى الله ويتوب ويتعظ بغيره قبل أن يتعظ الغير به :
جو بر كشته بختى درافتد به بند
ازونيك بختان بكير ند بند
تو بيتش از عقوبت در عفو كوب
كه سودى ندارد فغان زيرجوب
عصمنا الله وإياكم من أسباب سخطه.
﴿وَكَذَالِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَه يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِه وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآاـاِهِمْ﴾.
﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾.
العرش : هو الجسم المحيط بجميع الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك في ممكنه عليه عند الحكم لنزول أحكام قضائه وقدره منه، ولا صورة ولا جسم ثمة، وهو الفلك التاسع خلقه الله من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام.
والمراد : أن حملة العرش أفضل كما أن خادم أشرف الكائنات مطلقاً، وهو جبرائيل الخادم للنبي عليه السلام أشرف.
وفي الحديث :"إن الله أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائرهم.
وهم : أربعة من الملائكة يسترزق أحدهم لبني آدم، وهو في صورة رجل.
والثاني : للطيور، وهو في صورة نسر.
والثالث : للبهائم، وهو في صورة ثور.
والرابع : للسباع، وهو في صورة أسد وبينهم وبين العرش سبعون حجاباً من نور، وإذا كان يوم القيامة يكون حملته ثمانية، دل عليه قوله تعالى، ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ ثَمَـانِيَةٌ﴾.
وفي بعض الروايات : كلهم في صورة الأوعال، والعرش على قرونهم أو على ظهورهم، لما أخرجه الترمذي وأبو داود في حديث طويل آخره، ثم فوق السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء إلى السماء وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء وفي الحديث :"أذن لي ربي أن أحدث عن ملك من حملة أرجلهم عرشه ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام.
وروي : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة.
وكل أهل سماء أشد خوفاً من أهل السماء التي دونها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon