قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما خلق الله تعالى حملة العرش قال لهم : احملوا عرشي، فلم يطيقوا، فخلق كل ملك من أعوانهم مثل جنود من في السماوات والأرض من الملائكة والخلق، فلم يطيقوا، فخلق مثل ما خلق عدد الحصى والثرى، فلم يطيقوا، فقال جلّ جلاله : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوا : استقلوا العرش فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا تتفكروا في عظمة ربكم ولكن تفكروا في خلقه، فإن خلقاً من الملائكة يقال له : إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى، فإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كالوضع ـ وهو بالصاد المهملة
١٥٥
الساكنة ـ وتحرك طائر أصغر من العصفور"، كما في القاموس.
وإن الله خلق العرش من جوهرة خضراء له ألف ألف رأس وستمائة ألف رأس، في كل رأس ألف ألف وستمائة ألف لسان يسبح بألف ألف لغة، ويخلق الله بكل لغة من لغات العرش خلقاً في ملكوته يسبحه ويقدسه بتلك اللغة، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من نور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من حلق الله، والأشياء كلها في العرش كحلقة ملقاة في فلاة، واحتجب الله بين العرش وحامليه سبعين حجاباً من نار وسبعين حجاباً من ماء وسبعين حجاباً من ثلج وسبعين حجاباً من درّ أبيض وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر، وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر، وسبعين من نور، وسبعين من ظلمة، ولا ينظر أحدهم إلى العرش مخافة أن يصعق.
يقول الفقير : دل ما ذكر من الروايات على أن حملهم إياه ؛ أي : العرش محمول على حقيقته، وليس بمجاز عن حفظهم وتدبيرهم كما ذهب إليه بعض المفسرين، ولعمري كونه مع سعة دائرته، وعظم محله على قرون الملائكة، أو على ظهورهم أو على كواهلهم أدل على كمال عظمة الله وجلال شأنه، فالملائكة الأربعة اليوم، والثمانية يوم القيامة، كالأسطوانات له، فكما أن القصر محمول على الأسطوانات، فكذا العرش محمول على الملائكة، فلا ينافي ذلك ما صحّ من قوائمه، وكونه بحيث يحيط الأجسام ؛ لأنه يجوز أن يكون معلقاً في الحقيقة وأن الملائكة تحمله بالكلية.
﴿وَمَنْ حَوْلَهُ﴾ : في محل الرفع بالعطف على قوله : الذين.
وحول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبره.
قوله :﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ ؛ أي : ينزهونه عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل ملتبسين بحمده على نعمائه التي لا تتناهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وفي "فتح الرحمن" : يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح.
وجعل التسبيح أصلاً والحمد حالاً ؛ لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح ؛ لأنه إنما يحتاج إليه لعارض الرد على من يصفه بما لا يليق به.
قيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قياماً، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا أيمانهم على شمائلهم ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر.
وما وراءهم من الملائكة لا يعلم حدهم إلا الله ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام.
(در معالم از شهر بن حوشب نقل ميكند كه حملة عرش هشت اند جهار ميكويند سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك وجهار ديكر ميكويند سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك وكوييا ايشان بنسبت كرم الهى با ذنوب بني آدم ابن كلمات ميكويند).
وفي بعض التفاسير : كأنهم يرون ذنوب بني آدم وفي هذه الكلمات فوائد كثيرة :(بير طريقت أبو القاسم بشر ياسين از جملة مشاهير علما ومشايخ دهر بود شيخ أبو السعيد الخير راكفت اين كلمات از ما ياد كيرو بيوسته ميكوى أبو سعيد كفت اين كلمات يا دكر فتم وبيوسته ميكفتم وازان منتفع شدم).
﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ؛ أي : بربهم إيماناً حقيقياً بحالهم، والتصريح به مع إغناء ما قبله عن ذكره لإظهار فضيلة الإيمان، وإبراز شرف
١٥٦
أهله.
وقد قيل : أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف.
يقول الفقير : أشار بالإيمان إلى أنهم في مرتبة الإدراك بالبصائر محجوبون عن إدراكه تعالى بالأبصار ؛ كحال البشر ما داموا في موطن الدنيا.
وأما في الجنة، فقيل : لا يراه الملائكة.
وقيل : يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة، ويراه المؤمنون من البشر في الدنيا بالبصائر.
وفي الآخرة بالأبصار ؛ لأن قوله : لا تدركه الأبصار قد استثني منه المؤمنون فبقي على عمومه في الملائكة والجن، وذلك لأن استعداد الرؤية إنما هو لمؤمني البشر لكمالهم الجامع.