﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ﴾ : عطف على قهم وتوسيط النداء بينهما للمبالغة في الجؤار، وهو رفع الصوت بالدعاء والتضرع والاستغاثة.
﴿جَنَّـاتِ عَدْنٍ﴾ :(در بوستانهاى اقامت).
﴿الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ﴾ ؛ أي : وعدتهم إياها وقد وعد الله بأن يدخل من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله، جنات عدن، إما ابتداء أو بعد أن يعذبهم بقدر عصيانهم.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب الأحبار : ما جنات عدن.
قال : قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون وأئمة العدل، فعلى هذا يكون جنات عدن.
موضع أهل الخصوص لا أهل العموم ومثلها الفردوس، إذ لكل مقام عمل يخص به، فإذا كان العمل أخص وأرفع كان المقام أرقى وأعلى.
﴿وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآاـاِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِمْ﴾ : في محل النصب عطف على الضمير في وأدخلهم.
والمعنى : وأدخل معهم من صلح من هؤلاء صلاحاً مصححاً لدخول الجنة في الجملة، وإن كان دون صلاح أصولهم وذلك ليتم سرورهم، ويتضاعف ابتهاجهم، وفيه إشارة إلى أن بركة الرجل التائب تصل إلى آبائه وأزواجه وذرياته لينالوا بها الجنة ونعيمها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقال سعيد بن جبير : يدخل المؤمن الجنة، فيقول : أين أبي، أين ولدي، أين زوجي، فيقال : إنهم لم يعملوا مثل عملك، فيقول : إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال : أدخلوهم الجنة :
اميد است از آنان كه طاعت كنند
كه بى طاعتا نرا شفاعت كنند
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إذا كان يوم القيامة نودي في أطفال المسلمين أن اخرجوا من قبوركم، فيخرجون من قبورهم، فينادى فيهم : أن
١٥٨
امضوا إلى الجنة زمراً، فيقولون : يا ربنا ووالدينا معنا، فينادى فيهم.
الثانية : أن امضوا إلى الجنة زمراً، فيقولون : ووالدينا معنا، فيبتسم الرب تعالى، فيقول : ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه، فيأخذون بأيديهم، فيدخلونهم الجنة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذٍ من أولادكم الذين في بيوتكم".
وفي "الواقعات المحمودية" : نقلاً عن حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره : من كان أهل الجنة وزوجته لم تكن كذلك يخلق الله تعالى مثل زوجته في الجنة، فيتسلى بها، فإن قلت : كيف يكون التسلي بمثلها.
قلت : لا يعلم أنها مثلها، فلو ظن أنها مثلها لا عينها لا يتسلى، بل يحزن، والجنة دار السرور لا دار الحزن، ولذلك أرسل آدم عليه السلام إلى الدنيا لئلا يحزن في الجنة.
﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدوره.
يعني :(از هيج مقدور عاجز نشوى).
﴿الْحَكِيمُ﴾ : الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور التي من جملتها إنجاز الوعد والوفاء به.
وفي "التأويلات النجمية" : أنت العزيز تعز التائبين وتحبهم، وإن أذنبوا الحكيم فيما لم تعصم محبيك عن الذنوب ثم تتوب عليهم :
زمن سر زحكمت بدرمى برم
كه حكمت جنين ميرود بر سرم
﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآاـاِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِا وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَـاـاِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَه وَذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الايمَـانِ فَتَكْفُرُونَ﴾.
﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ﴾ ؛ أي : احفظهم عما يسوؤهم يوم القيامة وادفع عنهم العقوبات ؛ لأن جزاء السيئة سيئة، فتسميتها سيئة إما لأن السيئة اسم للملزوم، وهو الأعمال السيئة، فأطلق على اللازم وهو جزاؤها أو المعنى فهم جزاء السيئات على حذف المضاف على أن السيئات، بمعنى الأعمال السيئة، وهو تعميم بعد تخصيص لقوله : وقهم عذاب الجحيم وعذاب القبر، وموقف القيامة والحساب والسؤال والصراط ونحوها، أو مخصوص بمن صلح من الأتباع.
والأول دعاء للأصول.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَـاـاِذٍ﴾ ؛ أي : يوم القيامة.
﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ ؛ لأن المعافى من العذاب مرحوم، ويجوز أن يكون المراد بالسيئات الأول : المعاصي في الدنيا، فمعنى قوله : ومن تق إلخ.
ومن تقه المعاصي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة ؛ كأنهم طلبوا لهم السبب بعدما سألوا المسبب.
وفي "التأويلات النجمية" : وقهم السيئات يعني بعد أن تابوا لئلا يرجوا إلى المعاصي والذنوب، ومن تق السيئات يومئذٍ، فقد رحمته يحيلون الأمر فيه على رحمته وبرحمته لم يسلط على المؤمن أراذل خلقه، وهم الشياطين، وقد قيض لشفاعته أفاضل من خلقه وهم الملائكة المقربون.
قال مطرف : أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين الشياطين.


الصفحة التالية
Icon