﴿وَذَالِكَ﴾ : المذكور من الرحمة والوقاية.
﴿هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ : الفوز : الظفر مع حصول السلامة ؛ أي : هو الظفر العظيم الذي لا مطمع وراءه لطامع.
وبالفارسية :(آن بيروزى برز كست جه هركه امروز دربناه عصمت الهيست فردا درساية رحمت نامتناهى خواهد بود ودرين باب كفته اند) :
امروز كسى را در آرى به بناه
فردا بمقام فريتش بخشى راه
وانراكه رهش ندادة بر دركاه
فردا جه كند كه نكند ناله وآه
يقول الفقير : ظهر من الآيات العظام ومن استغفار الملائكة الكرام أن بناء الإنسان محتاج إلى المعاونة لكونه تحت ثقل حمل الأمانة العظمى، وهو المنور بنور لطفه وجماله تعالى، وهو المحترق بنار قهره وجلاله سبحانه، فطريقه طريق صعب، وليس مثله أحد وما أشبه حاله مع الملائكة بحال الديك مع البازي، قال للديك : ما أعرف أقل وفاء منك، لأن أهلك يربونك
١٥٩
من البيضة، ثم إذا كبرت لا يدنو منك أحد إلا طرأت ها هنا وها هنا، وأنا أؤخذ من الجبال، فيحبسون عيني ويجيعونني ويجعلونني في بيت مظلم، وإذا أطلقوني على الصيد فآخذه، وأعود إليهم، فقال الديك : لأنك ما رأيت بازياً في سفود، وهي الحديدة التي يشوى بها اللحم، وكم قد رأيت ديوكاً في سفافيد، ثم يجيب على من يطلب الفوز أن يناله من طريقه، فكل سعادة في الآخرة، فبذرها مزروع في الدنيا، ولا بد للعاقل من التقديم لنفسه.
قال لقمان رحمه الله : يا بني لا تكن الذرة أيسر منك تجمع في صيفها لشتائها قبل اشتداد الشتاء، وطلب ضفدع من الذرة ذخيرة، فقالت : لم ترنمت في الصيف في أطراف الأنهار وتركت الادخار للشتاء.
قال الشيخ سعدي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
كنون باخرد بايد انباز كشت
كه فردا نما ندره باز كشت
أي : لا يبقى يوم القيامة طريق للرجوع إلى الدنيا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ﴾ : المناداة والنداء : الدعوة ورفع الصوت، وذلك أن الكفار يمقتون في جهنم أنفسهم الإمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا من العذاب المخلد باتباع هواها ؛ أي : يغضبون عليها حتى يأكلون أناملهم ويبغضونها أشد البغض وينكرونها أشد الإنكار، ويظهرون ذلك على رؤوس الأشهاد، فعند ذلك تناديهم الملائكة، وهم خزنة جهنم من مكان بعيد تنبيهاً على بعدهم عن الحق.
وبالفارسية :(بوقتى كه كفار بدوزخ درايند وبانفسها دشمن آغار كرده روبان عتاب وملامت بكشايند كه جرادر زمان اختيار ايمان نياوردند ملائكه آواز ميدهند ايشانرا وكويند).
﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾ : جواب قسم محذوف والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطياً والبغض : نفار النفس من الشيء ترغب عنه، وهو ضد الحب، وهو انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه ومقت الله غضبه وسخطه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله وحذف مفعوله لدلالة المقت الثاني عليه.
والمعنى : والله لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء.
﴿أَكْبَرُ﴾ (بزركترست).
﴿مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ : اذكروا.
﴿إِذْ تُدْعَوْنَ﴾ في الدنيا من جهة الأنبياء ﴿إِلَى الايمَـانِ﴾، فتأبون قبوله ﴿فَتَكْفُرُونَ﴾ بالله تعالى وتوحيده اتباعاً لأنفسكم ومسارعة إلى هواها، ويجوز أن يتعلق إذ بالمقت الأول، ولا يقدح فيه وجود الخبر في البين، لأن في الظروف اتساعاً، فالمعنى : غضب الله تعالى حين أغضبتموه في الدنيا حين كفرتم أكبر مقتكم أنفسكم اليوم.
يقول الفقير : دل قوله : إذ تدعون إلخ على أن سبب المقت هو الكفر ؛ كأنه قال : اذكروا ذلك، فهو سبب المقت في الدنيا والآخرة.
والدخول في النار المحرقة القاهرة، كما قال فيما سيأتي ذلكم بأنه إذا دعي الله إلخ وحقيقته أن الله تعالى أحب المحبين في الحقيقة، كما أن النفس أعدى الأعداء، فمن صرف محبة أحب المحبين إلى أعدى الأعداء، وجرى على حكمه صرف الله نظره عنه وأبغضه.
كما قال الشيح سعدي :
نظر دوست نادر كند سوى تو
جودر روى دشمن بود روى تو
كرت دوست بايد كزو برخورى
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
نبايدكه فرمان دشمن برى
ندانى كه كمتر نهد دوست باى
جوبيند كه دشمن بود در سراى
ومقت الله على الكفر أزلي حفي لم يظهر أثره إلا في وقت وجود الكفر من الكافر وأبدي ؛
١٦٠
لأنه لا ينقطع بانقطاع الدنيا، فالكافر مغضوب في الدنيا والآخرة، وإنما كان مقت الله أكبر من مقت العبد، لأن مقت العبد مأخوذ من مقت الله إذ لو لم يأخذه الله بجريمته لما وقع في مقت نفسه، ولأن أشد العقوبات آثار سخط الله وغضبه على العباد، كما أن أجل النعم آثار رضاه عنهم، فإذا عرف الكافر في الآخرة أن ربه عليه غضبان، فلا شيء أصعب على قلبه منه على أنه لا بكاء ينفعه ولاغناء يزيل عنه ما هو فيه، ويدفعه، ولا يسمع منه تضرع ولا يرجى له حيلة.
نسأل الله عفوه وعظاه، وهو حسبنا مما سواه.


الصفحة التالية
Icon