﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الايمَـانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ * ذَالِكُم بِأَنَّه إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَه كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِه تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ﴾.
﴿قَالُوا﴾ ؛ أي : الكفرة حين خوطبوا بهذا الخطاب.
﴿رَبَّنَآ﴾ ؛ أي :(برور دكار مارا).
﴿أَمَتَّنَا﴾ : إماتتين.
﴿اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا﴾ إحياءتين.
﴿اثْنَتَيْنِ﴾ : فهما صفتان لمصدر الفعلين المذكورين.
وفي الإماتتين والإحياءتين وجوه :
الأول : ما قال الكاشفي نقلاً من "التبيان" :(ذريت آدم راكه از ظهر از بيرون آورد وميثاق ازايشان فرا كرفت بميرانيد إماتة تخستين آنست ودر رحم كه نطفه بودند زنده كرد بس دردنيا بميرانيد ودر آخرت زنده كردانيد).
﴿فَاعْتَرَفْنَا﴾ : أقررنا بسبب ذلك.
﴿بِذُنُوبِنَا﴾ : لا سيما إنكار البعث يعني الأنبياء دعونا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وكنا نعتقد كالدهرية أن لا حياة بعد الموت، فلم نلتفت إلى دعوتهم ودمنا على الاعتقاد الباطل حتى متنا وبعثنا، فشاهدنا ما نحن ننكره في الدنيا، وهو الحياة بعد الموت، فالآن نعترف بذنوبنا.
﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ﴾ : نوع خروج من النار سريع أو بطيء أو نوع من الأعمال.
﴿مِّن سَبِيلٍ﴾ : من طريق فنسلكه، ونتخلص من العذاب أو هل إلى خروج إلى الدنيا من سبيل، فنعمل غير الذي كنا نعمل كما قال : هل إلى مرد من سبيل، فيقال : فحذف الجواب، كما في "عين المعاني"، أو الجواب ما بعده من قوله : ذلكم إلخ، كما في غيره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والثاني : أنهم أرادوا بالإماتة الأولى خلقهم أمواتاً، وذلك في الرحم قبل نفخ الروح كما قال تعالى :﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَـاكُمْ﴾ (البقرة : ١٢٤)، وبالثانية : إماتتهم عند انقضاء آجالهم على أن الإماتة : جعل الشيء عادم الحياة، وأرادوا بالإحياء الأول : الإحياء قبل الخروج من البطن، وبالثاني : إحياء البعث، ولا يلزم منه أن لا عذاب في القبر، ولا حياة ولا موت ؛ فإنهم إنما لم يذكروها ؛ لأن حياة القبر ليست كحياة الدنيا، ولا كحياة الآخرة، كما في "الأسئلة المقحمة".
وقد ثبت بالتواتر أن النبي عليه السلام استعاذ من عذاب القبر، وأجمع السلف على ذلك قبل ظهور أهل البدع، حتى قال بعضهم في قوله تعالى :﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَه مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، أنه أراد في القبر لأنا نشاهد كثيراً منهم عيشهم أرغد في الدنيا من عيش كثير من المؤمنين.
والثالث : أنهم أرادوا بالإماتة الأولى ما بعد حياة الدنيا.
وبالثانية : ما بعد حياة القبر.
وبالإحياءتين ما في القبر، وما عند البعث، قال في "الإرشاد" : وهو الأنسب بحالهم.
وأما حديث لزوم الزيادة على النص ضرورة تحقق حياة الدنيا، فمدفوع لكن لا بما قيل من عدم اعتدادهم بها، لزوالها وانقضائها وانقطاع آثارها وأحكامها، بل بأن مقصودهم إحداث الاعتراف بما كانوا ينكرونه في الدنيا والتزام العمل بموجب ذلك الاعتراف ليتوسلوا بذلك إلى الرجوع إلى الدنيا، وهو الذي أرادوه بقولهم، فهل إلى خروج من سبيل مع نوع استبعاد له واستشعار يأس منه لا أنهم قالوه بطريق القنوط المحض، ولا ريب في أن الذي كانوا ينكرونه ويفرعون عليه فنون الكفر والمعاصي ليس إلا
١٦١
الإحياء بعد الموت، وأما الإحياء الأول، فلم يكونوا لينظموه في سلك ما اعترفوا به، وزعموا أن الاعتراف يجديهم نفعاً، وإنما ذكروا الموتة الأولى لترتبها عليهما ذكراً حسب ترتيبها عليهما وجوداً.
والرابع : على ما في "التأويلات النجمية" : أنهم أرادوا إماتة القلوب وإحياء النفوس، ثم إماتة الأبدان وإحياءها بالبعث.
﴿ذَالِكُمُ﴾ : قال في "الإرشاد" : جواب لهم باستحالة حصول ما يرجونه ببيان ما يوجبها من أعمالهم السيئة ؛ أي : ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب، وهو مبتدأ خبره.
قوله :﴿بِأَنَّهُ﴾ ؛ أي : بسبب أن الشأن ﴿إِذَا دُعِىَ اللَّهُ﴾ في الدنيا ؛ أي : عبد ﴿وَحْدَهُ﴾ ؛ أي : حال كونه منفرداً، فهو في موضع الحال من الجلالة.
﴿كَفَرْتُمْ﴾ ؛ أي : بتوحيده.
﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ﴾ ؛ أي : إن يجعل له شريك.
﴿تُؤْمِنُوا﴾ ؛ أي : بالإشراك به وتصدقوه وتسارعوا فيه.
ولفظ الاستقبال تنبيه على أنهم لو ردوا لعادوا إلى الشرك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وفي "الإرشاد" في إيراد إذا.
وصيغة الماضي في الشرطية الأولى، وإن وصيغة المضارع في الثانية : ما لا يخفى من الدلالة على كمال سوء حالهم، وحيث كان حالكم كذلك.


الصفحة التالية
Icon