﴿فَالْحُكْمُ﴾ : الذي لا يحكم إلا بالحق.
﴿الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ﴾ عن أن يشرك به إذ ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
وقد حكم بأنه لا مغفرة للمشرك، ولا نهاية لعقوبته، فلا سبيل لكم إلى الخروج أبداً.
قيل : كأن الحرورية أخذوا قولهم : لا حكم إلامن هذا.
وقيل : للخوارج حرورية لتجليتهم بحروراء واجتماعهم فيها، وهي كحلولاء.
وقد تقصر قرية بالكوفة.
والخوارج قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن طاعة عليّ رضي الله عنه عند التحكيم بينه وبين معاوية، وذلك أنه لما طالت محاربة عليّ، ومعاوية اتفق الفريقان على التحكيم إلى أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في أمر الخلافة، وعلي ارتضى بما يريانه، فقال القوم : المذكور إن الحكم إلا، فقال عليّ رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل.
وكانوا اثني عشر ألف رجل أنكروا الخلافة، واجتمعوا ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل، فخرج إليهم علي رضي الله عنه وأمرهم بالرجوع، فأبوا إلا القتال، فقاتلهم بالنهروان، هي كزعفران بليدة قديمة بالقرب من بغداد، فقتلهم واستأصلهم، ولم ينج منهم إلا قليل.
وهم الذين قال عليه السلام في حقهم : يخرج قوم من أمتي في آخر الزمان يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم وصومه في جنب صومهم، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم".
وقال عليه السلام : الخوارج كلاب النار".
والحاصل : أن الخوارج من الفرق الضلالة لفسادهم في الاعتقاد وبإنكار الحق وفساد الاعتقاد ساء حال أكثر العباد في أكثر البلاد، خصوصاً في هذه الأعصار، فعلى العاقل أن يجيب دعوة الله ودعوة رسوله، قولاً وعملاً وحالاً واعتقاداً، حتى يفوز بالمرام ويدخل دار السلام، ولا يكون كالذين أرادوا أن يتداركوا الحال بعد مضي الفرصة :
ملوث مكن دامن از كرد شوى
كه ناكه زبالا بيندند جوى
مكو مرغ دولت زقيدم بجست
هنوزش سر رشته دارى بدست
وكردير شد كرم روباش وجست
زدير آمدن غم ندارد درست
المراد : الترغيب في التوبة، ولو في الشيب وقرب الموت.
﴿ذَالِكُم بِأَنَّه إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَه كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِه تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَن يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿هُوَ﴾ : تعالى وحده ﴿هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ﴾.
دلائل قدرته وشواهد وحدته في الأنفس والآفاق رعاية لمصالح أديانكم.
وفيه
١٦٢
إشارة إلى أنه ليس للإنسان أن يرى ببصيرته حقائق الأشياء إلا بإراءة الحق تعالى إياه.
﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقًا﴾ ؛ أي : سبب رزق، وهو المطر مراعاة لمصالح أبدانكم، فإن آيات الحق بالنسبة إلى حياة الأديان بمنزلة الأرزاق بالنسبة إلى حياة الأبدان.
﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ : التذكير :(بند كرفتن) ؛ أي : ما يتعظ وما يعتبر بتلك الآيات الباهرة، ولا يعمل بمقتضاها ﴿إِلا مَن يُنِيبُ﴾ : يرجع إلى الله تعالى عن الإنكار، ويتفكر فيما أودعه في تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة ونعمته الشاملة الظاهرة والباطنة الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى، ومن ليس كذلك، وهو المعاند، فهو بمعزل عن التذكر والاتعاظ، فإذا كان الأمر كذلك ؛ أي : كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب.
﴿فَادْعُوا اللَّهَ﴾ : فاعبدوه أيها المؤمنون.
﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ؛ أي : حال كونكم مخلصين له دينكم وطاعتكم من الشرك والالتفات إلى ما سواه بموجب إنابتكم إليه وإيمانكم به.
﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ﴾ : ذلك وغاظهم إخلاصكم.
قال الكاشفي :(واكرجه كار عند كافران واخلاص شمادر توحيد اوزيرا كه ايشان بنعمت ايمان كافر ند وشما بران نعمت شاكر بس ميان شما منافر تست واعمال واقوال شما مرغوب ومحبوب ايشان نيست جنانجه كردار وكفتار ايشان نيز در نزدشما مكروه ومبغوض است) :
زاهدى در سماع رندان بود
زان ميان كفت شاهد بلخى
كر ملولى زما ترش منشين
كه توهم درميان ما تلخى
وفي الآية إشارة إلى أن المدعو من الله تعالى ينبغي أن يكون لذاته تعالى مخلصاً غير مشوب بشيء من مقاصد الدنيا والآخرة، ولو كان على كراهة النفس، فإنها تميل إلى مشاربها :
خلاف طريقت بود كاوليا
تمنا كنند از خدا جز خدا