فلا بد من الإخلاص مطلقاً، فاعمل لربك خالصاً طيباً، فإنه طيب لا يقبل إلا الطيب وفي الحديث :"يؤجر ابن آدم في نفقته كلها إلا شيئاً وضعه في الماء والطين".
قال حضرت الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره في كشف سر هذا الحديث، وإيضاح معناه : اعلم أن صور الأعمال أعراض جواهرها مقاصد العمال وعلومهم واعتقاداتهم ومتعلقات هممهم.
وهذا الحديث وإن كان من حيث الصيغة مطلقاً، فالأحوال والقرائن تخصصه وذلك، أن بناء المساجد والرباطات ومواضع العبادات يؤجر الباني لها عليها بلا خلاف :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
جون بود قصدش از ريا منفك
مزديابد بران عمل بيشك
فالمراد بالمذكور هنا إنما هو البناء الذي لم يقصد صاحبه التنزه.
والانفساح والاستراحة والرياء والسمعة، وإذا كان كذلك، فمطمح همة الباني ومقصده لا يتجاوز هذا العلم، فلا يكون لبناءه ثمرة ونتيجة في الآخرة ؛ لأنه لم يقصد أمراً وراء هذه الدار، فأفعاله أعراض زائلة لا موجب لتعديها من هنا إلى الآخرة، فلا إثمار لها، فلا أجر.
وبالفارسية :
هر كه ميخواهد از عمارت كل
فسحت دار ونزهت منزل
يا تفاخر ميانة أقران
كه بنا كرد مسجدى ويران
١٦٣
جون باخلاص همت عامل
متجاوز نشد ز عالم كل
نفقاتش درآب وكل موضوع
ماند واوزا جران بود مقطوع
بلكه در حج وعمره وصلوات
جون بود بهر عاجلت نفقات
همه ماند درآب وكل مرهون
ندهد اجر صانع بيجون
هر كرا از عمارت كل وآب
هست مقصود كسب قرب وثواب
جون زكل در كذشت همت وى
نفقاتش همه رود دربى
نفقاتش جو قطع كرد اين راه
عندكم بود كشت عند الله
كل ما كان عندكم ينفد
دام ما عنده إلى السرمد
قال تعالى :﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُا وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ (النحل : ٩٦).
والمرجو من الله تعالى أن يجعلنا من أهل الاختصاص بفيض كمال الإخلاص.
﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَـاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِه عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِه لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُم بَـارِزُونَا لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ﴾.
﴿رَفِيعُ الدَّرَجَـاتِ﴾ : خبر آخر لقوله : هو والرفيع صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها بعد النقل إلى فعل بالضم كما هو المشهور، وتفسيره بالرفع ليكون من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول بعيد في الاستعمال، كما في "الإرشاد" والدرجة : مثل المنزلة، لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على نحو درجة السطح والسلم، قاله الراغب.
وفي "أنوار المشارق" : الدرجة إن كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وإن كانت بمعنى المرتبة، والطبقة، فجمعها درجات.
واختلف العلماء في تفسير هذه الآية، ففي "الإرشاد" : هو تعالى رفيع الدرجات ملائكته ؛ أي : مرتفعة معارجهم ومقاعدهم إلى العرش.
وفي "تفسير أبي الليث" : خالق السماوات ورافعها مطلقاً بعضها فوق بعض من طبق إلى طبق خمسمائة عام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وفي "كشف الأسرار" :(بر دارندة درجهاى بند كانست وبريكديكر جه دردنيا جه در در دنيا آنست كه كفت).
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَـاـاكُمْ﴾ (الأنعام : ١٦٥) يعني :(بر داشت شمارا زير يكديكر درجهاى افزونى يكى را بدانش يكى راينسب يكى را بمال يكى را بشرف يكى را بصورت يكى را بقوت جاى ديكر كفت).
﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ (الزخرف : ٣٢)، يعني :(برداشتيم ايشانرا بريكديكر در عز ومال در رزق ومعيشت يكى مالك يكى مملوك يكى خادم يكى مخدوم يكى فرمانده يكى فرمانبرا اما درجات آنست كفت).
وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً (هركه دردنيا بمعرفت وطاعت افزو نتردر عقبى بحق نزد يكتر وكرامت وى بيشتر).
فهو رافع الدرجات في الدنيا بتفاوت الطبقات.
وفي العقبى بتباين المراتب والمقامات.
روي أن أسفل أهل الجنة درجة ليعطى مثل ملك الدنيا كلها عشر مرات ؛ وأنه ليقول : أي رب لو أذنت لي أطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص ذلك، مما عندي شيئاً، وإن له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا.
وقال بعضهم : رافع درجات (انبياست عليهم السلام درجة آدم را بصفوت بر داشت ونوح را بدعوت وإبراهيم رابخلت وموسى را بقربت وعيسى رابزهادت ومحمد را بشفاعت).
وقال بعضهم : رافع درجات العصاة بالنجاة والمطيعين بالمثوبات وذي الحاجات بالكفايات والأولياء بالكرامات، والعارفين بالارتقاء عن الكونين، والمحبين بالفناء عن المحبية، والبقاء بالمحبوبية.
١٦٤
(عزيزى فرموده كه).
لا يوجد البقاء إلا بالفناء (تا شربت فنا ننوشى) :
بنوش درد فنا كر بقاهمى خواهى
كه زاد راه بقاى دردى خراباتست
زحال خويش فنا شود درين ره اى عطار
كه باقى ره عشاق فانى الذاتست