﴿لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ﴾ ما من أعيانهم وأعمالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة مع كثرتهم كما قال تعالى :﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ (الحاقة : ١٨)، وكانوا في الدنيا يتوهمون إنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب فإن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم فهم يومئذٍ لا يتوهمون ذلك أصلاً.
﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ ؛ أي : يقال : حين بروزهم وظهور أحوالهم ؛ أي : ينادي منادٍ لمن الملك اليوم، فيجيب ؛ أي : ذلك المنادي بعينه، ويقول :﴿الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾، أو يجيبه أهل المحشر مؤمنهم وكافرهم لحصول العلم الضروري بالوحدانية للكافر أيضاً، لكن الكافر يقوله : صغاراً، وهو أنا وعلى سبيل التحسر والندامة والمؤمن ابتهاجاً وتلذذاً إذ كان يقوله في الدنيا أيضاً، وهذا يسمى سؤال التقرير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقيل : إن المجيب إدريس عليه السلام، فإن قلت : كيف خص ذلك بيوم مخصوص، والملكفي جميع الأوقات.
قلت : هو وإن كانفي جميع الأيام إلا أنه سبحانه ملك عباده في الدنيا، ثم تكون دعاويهم منقطعة يوم القيامة، لا يدعي مدع ملكاً، ولا ملكاً، يومئذٍ، ولذا قال : لمن الملك اليوم.
قال في "كشف الأسرار" :(دران روز رازها آشكار شود بردهاى متواريان درند توانكران بى شكررا در مقام حساب بدارند ودرويشان بى صبر را جامة نفاق از سر بركشند آتش فضيحت در طيلسان عالمان بى عمل زنند خاك ندامت بر فرق قراء مرائى ريزند يكى از خاك وحشت بيرون مى آيد جنانكه خا كستر ازمياق آتش يكى جنانكه درازميان صدف يكى ميكويد اين الفرار من الله يكى ميكويد).
أين الطريق إلى الله؟.
(يكى ميكويد).
﴿مَالِ هَـاذَا الْكِتَـابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَـاهَا﴾ (الكهف : ٤٩) :(يكى ميكويد).
١٦٧
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ (فاطر : ٣٤) :(آن روز بادشاهان روى زمين رامى آرند ودست سلطنت ايشان برشتة عزل بربسته ندا آيد كه بادشاهى كراسز دمكرس واحد قهار راكه برهمه شاهان بادشاهست وى نه بحشم وسباهست سلطان جهان بملك ومال وبنعمت وسوار وبياده ودركاه فخر كنند وملك إلهي بر خلاف اينست كه او جل جلاله رسوم كون را آتش بينيازى درزند وعالم را هباء منثور كرداند وتيغ قهر برهيا كل أفلاك زند نداد هد كه لمن الملك اليوم كراز هرة آن بود كه اين خطاب را جواب دهد جزاو اى مسكين قيامت كه سران وسر هنكان دين را دربناه كرم إلهي جاى دهد ندانم كه ترابان سينة آلوده وعمل شوريده كجانسانند ورخت كجا نهند اي مسكين اكر بى مارى آخر ناله كو وا كر درباطنت آتشيست دودى كو واكر مرد بازركانى سالها برا مد سودى كو طيلسان موسى ونعلين هارونت جه سود جون بزير رداء فرعون دارى صد هزار).
ويجوز أن يكون قوله : لمن الملك اليوم.
إلخ.
حكاية لما دل عليه ظاهر الحال في ذلك اليوم من زوال الأسباب، وارتفاع الوسائط إذ لولا الأسباب لما ارتاب المرتاب، وأما حقيقة الحال، فناطقة بذلك دائماً، وقيل : السائل، والمجيب هو الله تعالى وحده، وذلك بعد فناء الخلق، فيكون ابتداء كلام من الله تعالى.
وها هنا لطيفة، وهي أن سورة الفاتحة نصفها ثناءونصفها دعاء للعبد، فإذا دعا واحد يجب على الآخر التأمين، فإذا قلت : ولا الضالين ؛ كأنه يقول : ينبغي أن أقول : آمين.
فكن أنت يا عبدي نائباً عني، وقل آمين، وإذا كان يوم القيامة، وأقول : أنا لمن الملك اليوم، يجب عليك أن تقول : الواحد القهار، وأنت في القبر، فأكون أنا نائباً عنك، وأقول : الواحد القهار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال ابن عطاء : لولا سوء طبائع الجهالة وقلة معرفتهم لما ذكر الله قوله : لمن الملك اليوم، فإن الملك لم يزل ولا يزال له، وهو الملك على الحقيقة، وذلك لما جهلوا حقه وحجبوا عن معرفته وشاهدوا الملك وحقيقته في الآخرة ألجأهم الاضطرار إلى أن قالوا : الواحد القهار، فالواحد الذي بطل به الأعداد.
والقهار : الذي قهر الكلّ على العجز بالإقرار له بالعبودية طوعاً وكرهاً.
قال شيخي وسندي روح الله روحه في قوله : الواحد القهار، ترتيب أنيق، فإن الذات الأحدية تدفع بوحدتها الكثرة وبقهرها الآثار، فيضمحل الكل، فلا يبقى سوى الله تعالى.
وفي "التأويلات النجمية" : يومهم بارزون ؛ أي : خارجون من وجودهم بالفناء لا يخفى على الله منهم شيء من وجودهم عند إفنائه حتى لا يبقى له غير الله، فيقول الله تعالى : لمن الملك اليوم، يعني : ملك الوجود.
وهذا المقام الذي أشار إليه الجنيد قدس سره بقوله : ما في الوجود سوى الله، فإذا لم يكن لغير الله ملك الوجود يكون هو الداعي، والمجيب، فيقول : الواحد القهار ؛ لأنه تعالى تجلى بصفة القهارية، فما بقي الداعي ولا المجيب غير الله :
جامى معاد ومبدأ ما وحدتست وبس
ما درميانه كثرت موهوم والسلام


الصفحة التالية
Icon