﴿يَوْمَ هُم بَـارِزُونَا لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌا لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْا لا ظُلْمَ الْيَوْمَا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَـاظِمِينَا مَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾.
﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ﴾ : إما من تتمة الجواب، أو حكاية لما سيقوله تعالى يومئذٍ عقيب السؤال.
والجواب : أي : تجزى كل نفس من النفوس البرة والفاجرة من خير أو شر.
﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾، بنقص ثواب أو زيادة عذاب، يعني :(نه از ثواب كسى كم كنند ونه بر عقاب
١٦٨
كسى افزايند ونه كسى رابكناه كسى بكير ند ونه نيكى راباداش بدى دهند).
﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ ؛ أي : سريع حسابه تماماً إذ لا يشغله تعالى شأن عن شأن، فيحاسب الخلائق مع كثرتهم في أقرب زمان، ويصل إليهم ما يستحقونه سريعاً، فيكون تعليلاً لقوله تعالى : اليوم تجزى.
إلخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
فإن كون ذلك اليوم بعينه يوم التلاق، ويوم البروز ربما يودهم استبعاد وقوع الكل فيه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : إذا أخذ في حسابهم لم يقل : أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها، قوله : لم يقل من قال يقيل قيلولة، وهي النوم في نصف النهار.
قال في "كشف الأسرار" :(هركه اعتقاد كرد كه اورا روزى دربيش است كه دران روز باوى سؤالي وجوابي وحسابي وعتابي هست وروز بيقرار بود دمبدم مشغول ومستغرق كار بود ميزان تصرف ازدست فرونهد بعيب كس ننكرد همه عيب خودرا مطالعه كند همه حساب خود كند در خبر است).
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتهيؤوا للعرض الأكبر.
(يكى از بزركان دين روزى نامة نوشت ودرخانة عاريتى بود كفتا خواستم كه آن راخاك بر كنم تاخشك شود بر خاطرم كذشت نبايدكه فردا از عهدة اين مظلمه بيرون نتوانم آمدها نفى آو از داد)، سيعلم المستخف بترتيب الكتاب ما يلقى عند الله غداً من طول الحساب.
(آرى فردا روز عرض وحساب بداندكه جه كرد آنكس كه نامة خويش بخاك خانة كسان خشمك كرد).
وفي الحديث : يقول الله :"أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وعنده مظلمة حتى أقتص منه"، وتلا عليه السلام هذه الآية.
وفي بعض الروايات لأقتص من القرناء للجماء ؛ أي : قصاص مقابلة لا تكليف :
در وعده أهل ظلم حالى عجبست
ورزيدن ظلم را وبالى عجبست
از ظلم برهيز كه درروز جزا
لا ظلم اليوم كو شمالى عجبست
﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ : خوفهم يا محمد، يعني أهل مكة.
﴿يَوْمَ الازِفَةِ﴾ : منصوب على أنه مفعول به لأنذرهم ؛ لأنه المنذر به والآزفة : فاعلة من أزف الأمر على حدّ علم إذا قرب.
والمراد : القيامة ولذا أنث ونظيره : أزفت الآزفة ؛ أي : قربت القيامة، وسميت بالآزفة لأزوفها، وهو القرب لأن كل آتتٍ قريب، وإن استبعد اليائس أمده.
وفي الحديث :"بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني".
والإشارة بهاتين إلى السبابة والوسطى، يعني : أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على السبابة شبه القرب الزماني بالقرب المساحي، لتصوير غاية قرب الساعة، ثم في الأزوف إشعار بضيق الوقت، ولذا عبّر عن القيامة بالساعة.
وقيل : أتى أمر الله، فعبر عنها بلفظ الماضي تنبيهاً على قربها، وضيق وقتها كما في "المفردات".
وقال بعضهم : أنذرهم يوم الخطة الآزفة ؛ أي : وقتها، وهي مشارقة أهل النار دخولها والخطة بالضم الأمر، والقصة وأكثر ما يستعمل في الأمور العصبة التي تستحق أن تخط وتكتب لغرابتها، كما في حواشي سعدي المفتي :﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ : جمع حنجرة، وهي الحلقوم، وهي بالفارسية :(كلو).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
والجملة : بدل من يوم الآزفة، فإن القلوب ترتفع عن أماكنها من شدة الفزع،
١٦٩
فتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيستروحوا ويتنفسوا، ولا تخرج فيستريحوا بالموت.
وقيل : يلتفح السحر خوفاً ؛ أي : الرئة، فيرتفع القلب إلى الحنجرة.
﴿كَـاظِمِينَ﴾ : حال من أصحاب القلوب على المعنى إذ الأصل : إذ قلوبهم لدى حناجرهم بناء على أن التعريف اللامي بدل من التعريف الإضافي يقال : كظم غيظه ؛ أي : رد غضبه وحبسه في نفسه بالصبر وعدم إظهار الأثر.
والمعنى : كاظمين على الغم والكربة ساكتين حال امتلائهم بهما يعني : لا يمكنهم أن ينطقوا ويصرحوا بما عندهم من الحزن والخوف من شدة الكربة، وغلبة الغم عليهم، فقوله : إذ القلوب لدى الحناجر تقرير للخوف الشديد.
وقوله : كاظمين تقرير للعجز عن الكلام، فإن الملهوف إذا قدر على الكلام وبث الشكوى حصل له نوع خفة وسكون، وإذا لم يقدر عظم اضطرابه واشتد حاله.