﴿مَا لِلظَّـالِمِينَ﴾ ؛ أي : الكافرين ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ ؛ أي : قريب مشفق، يعني :(هيج خويشى مشفق ويار مهربان عذاب ايشان را دفع كند).
﴿وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ : وشفيع مشفع على معنى نفي الشفاعة والطاعة معاً، وعلى أن يطاع مجاز عن يجاب وتقبل شفاعته ؛ لأن المطيع في الحقيقة يكون أسفل حالاً من المطاع، وليس في الوجود من هوأعلى حالاً من الله تعالى حتى يكون مطاعاً له تعالى.
وفي الآية بيان أن لا شفاعة في حق الكفار ؛ لأنها وردت في ذمهم، وإنما قيل للظالمين موضع للكافرين، وإن كان أعم منهم ومن غيرهم من العصاة، بحسب لظاهر تسجيلاً لهم بالظلم، ودلالة على اختصاص انتفاء كل واحد من الحميم والشفيع المشفع بهم فثبت أن لعصاة المسلمين حميماً وشفيعاً ومشفعاً، وهو النبي عليه السلام، وسائر الأنبياء والمرسلين والأولياء المقربين والملائكة أجمعين.
﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَـاظِمِينَا مَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَآاـاِنَةَ الاعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّا وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِه لا يَقْضُونَ بِشَىْءٍا إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
﴿يَعْلَمُ﴾ :(ميداند خداى تعالى).
﴿خَآاـاِنَةَ الاعْيُنِ﴾ ؛ أي : النظرة الخائنة للأعين وإسناد الخيانة إلى النظرة مجاز لأن الخائن هو الناظر أو يعلم خائنة الأعين على أنها مصدر كالعافية كقوله تعالى :﴿وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآاـاِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾ (المائدة : ١٣).
والخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيضها الأمانة.
والمراد هنا : استراق النظر إلى غير المحرم كفعل أهل الريب.
والنظرة الثانية إليه.
وفي الخبر "يا ابن آدم لك النظرة الأولى" معفوة لوقوعها مفاجأة دون الثانية لكونها مقارنة للقصد، وهي من قبيل زنا النظر.
وفي المثنوي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
كرزناى جشم حظى مى برى
نى كباب از بهلوى خود ميخورى
وذلك لأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس.
والنظرة تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة.
قال الكاشفي :
جشم نظر بانجة حرامست
يا غمز كرده بمعايب مردم
أي : الرمز بالعين على وجه العيب :
دو جشم از بى صنع باري نكوست
زعيب برادر فروكير ودوست
(يا كذب در رؤيت وعدم رؤيت).
يعني : يدعي الرؤية كذاباً، أو ينكرها.
وفي "التأويلات النجمية" : خائنة أعين المحبين استحسانهم شيئاً غير المحبوب، والنظر إلى غير المحبوب.
وفي معناها قيل :()
فعيني إذا استحسنت غيركم
أمرت الدموع بتأديبها
حكي : أن بعضهم مرَّ بدكان.
وفيه نطاق معلق فتعلق به نظره، فاستحسنه، ثم لما تباعد عن الدكان.
١٧٠
فقد النطاق من محله، فاتبعه صاحب الدكان، ففتش عنه، فوجده على وسطه.
وكان ذلك عقوبة من الله عليه لاستحسانه ذلك النطاق حتى اتهم بسرقته وعوقب عليه.
قال أبو عثمان : خيانة العين، هو أن لا يغضها عن المحارم ويرسلها إلى الهوى والشهوات.
وقال أبو بكر الوارق : يعلم من يمد عينيه إلى الشيء معتبراً، ومن يمد عينيه لإرادة الشهوة.
وقال أبو جعفر النيسابوري : زنا العارف نظره بالشهوة إمام قشيري :(فر مود كه خيانت جشمهاى محبان آنست كه در أوقات مناجات خواب را بيرا من آن كذا رند خيانكه در زبور آمده كه دروغ كويد هركه دعوى محبت من كند وجون شب در آيد جشم از بخواب رود (ع) ومن نام عينا نام عنه وصالنا) :
خواب رابا ديده عاشق جه كار
جشم او جون شمع باشد اشكبار
جشمهاى عاشقا نرا خواب نيست
بك نفس ان جشمهابى آب نيست
﴿وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ﴾ : من الضمائر والأسرار مطلقاً خيراً كانت أو شراً، ثبت بهذا أن أفعال القلوب معلومةتعالى.
وكذا أفعال الجوارح تكون ؛ لأن أخفاها، وهي خائنة الأعين إذا كانت معلومةتعالى، فعلمه تعالى سائر أفعال الجوارح يكون أولى، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد، ويجب أن يكون خوف المجرم منه أشد وأقوى، فقوله تعالى : يعلم.
إلخ.
في قوة التعليل للأمر بالإنذار.
وفي "التأويلات النجمية" : وما تخفي الصدور من متمنيات النفوس ومستحسنات القلوب ومرغوبات الأرواح، فالحق به خبير، ويكون السالك موقوفاً بها، حتى يخرج من تعلقها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon