﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى﴾ : مثل القلاع الحصينة والمدن المتينة.
﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ عاقبهم وأهلكهم بسبب كفرهم وتكذيبهم.
﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ﴾ من عذاب الله ﴿مِن وَاقٍ﴾ يقيهم ويحفظهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿ذَالِكَ﴾ ؛ أي : ما ذكر من الأخذ.
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ ؛ أي : بسبب أنهم ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ ؛ أي : بالمعجزات أو بالأحكام الظاهرة.
﴿فَكَفَرُوا﴾ بها وكذبوا رسلهم، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ أخذاً عاجلاً.
﴿إِنَّه قَوِىٌّ﴾ متمكن مما يريد غاية التمكن.
﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لأهل الشرك لا يعتبر عقاب دون عقابه، فهؤلاء قد شاهدوا مصارعهم وآثار هلاكهم، فبأي وجه آمنوا أن يصيبهم مثل
١٧٢
ما أصابهم من العذاب.
واعلم أن أهل السعادة قد شكروا الله على نعمة الوجود، فزادهم نعمة الإيمان، فشكروا نعمة الإيمان، فزادهم نعمة الولاية، فشكروا نعمة الولاية، فزادهم نعمة القرب والمعرفة في الدنيا ونعمة الجوار في الآخرة، وأهل الشقاوة قد كفروا نعمة الوجود، فعذبهم الله بالكفر والبعاد والطرد واللعن في الدنيا وعذبهم في الآخرة بالنار وأنواع التعذيبات.
وفي قوله : ذلك بأنهم.
إلخ.
إشارة إلى بعض السالكين والقاصدين إلى الله تعالى إن لم يصل إلى مقصوده يعلم أن موجب حجابه وحرمانه اعتراض خامر قلبه على شيخه، أو على غيره من المشايخ في بعض أوقاته، ولم يتداركه بالتوبة والإنابة، فإن الشيوخ بمحل الأنبياء للمريدين.
وفي الخبر : الشيخ في قومه كالنبي في أمته".
وفي المثنوي :
كفت بيغمبر كه شيخي رفته بيش
جو نبي باشد ميان قوم خويش
إنه قوي على الانتقام من الأعداء للأولياء شديد العقاب في الانتقام من الأعداء.
وفي "شرح الأسماء" للزروقي القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجز في نقض ولا إبرام، ومن عرف أن الله تعالى هو القوي، رجع إليه عن حوله وقوته وخاصيته ظهور القوة في الوجود، فما تلاه ذو همة ضعفة إلا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف إلا كان له ذلك، ولو ذكره مظلوم يقصد إهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك وكفى أمره.
﴿ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّه إِنَّه قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآياتنا وَسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَقَـارُونَ فَقَالُوا سَـاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَه وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى﴾ ملتبساً ﴿بآياتنا﴾، وهي المعجزات التسع.
﴿وَسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾ ؛ أي : وحجة قاهرة ظاهرة كالعصا أفردت بالذكر مع اندراجها تحت الآيات تفخيماً لشأنها، فهو من قبيل عطف الخاص على العام.
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ :(بسوى فرعون كه أعظم عمالقة مصر بود ودعواى ربوبيت ميكرد).
﴿وَهَـامَـانَ﴾ :(وزير او بود).
وخصهما بالذكر ؛ لأن الإرسال إليهما إرسال إلى القوم كلهم لكونهم تحت تصرف الملك، والوزير تابعين لهما، والناس على دين ملوكهم.
﴿وَقَـارُونَ﴾ : خصّ بالذكر لكونه بمنزلة الملك من حيث كثرة أمواله وكنوزه، ولا شك أن الإرسال إلى قارون متأخر عن الإرسال إلى فرعون وهامان ؛ لأنه كان إسرائيلياً ابن عم موسى مؤمناً في الأوائل أعلم بني إسرائيل حافظاً للتوراة، ثم تغير حاله بسبب الغنى، فنافق كالسامري، فصار ملحقاً بفرعون وهامان في الكفر والهلاك، فاحفظ هذا ودع ما قاله أكثر أهل التفسير في هذا المقام.
﴿فَقَالُوا﴾ في حق ما أظهره من المعجزات خصوصاً في أمر العصا أنه ﴿سَـاحِرٌ﴾ :(او ساحرست كه خارق عادت مى نمايد ازروى سحر)، وقالوا فيما ادعاه في رسالة رب العالمين أنه ﴿كَذَّابٌ﴾ :(دروغ كويست درانكه مى كويد خداى خست ومن رسول اويم)، والكذاب الذي عادته الكذب بأن يكذب مرة بعد أخرى، ولم يقولوا : سحار ؛ لأنهم كانوا يزعمون أنه ساحر، وأن سحرتهم أسحر منه كما قالوا : يأتوك بكل سحار عليم.
وفيه تسلية لرسول الله عليه السلام، وبيان عاقبة من هو أشد من قريش بطشاً وأقربهم زماناً.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بقوله : ولقد أرسلنا.
إلخ.
إلى أنه تعالى من عواطف إحسانهم يرسل أفضل خلقه في وقته إلى من هو أرذل خلقه ويبعث أخص عباده إلى أخس عباده ليدعوه إلى حضرة جلاله لإصلاح حاله بفضله ونواله،
١٧٣
والعبد من خسة طبعه وركاكة عقله يقابله بالتكذيب وينسبه إلى السحر، والله تعالى إظهاراً لحكمه وكرمه لا يعجل عقوبته ويمهله إلى أوان ظهور شقوته، فيجعله مظهر صفة قهره ويبلغ موسى كمال سعادته، فيجعله مظهر صفة لطفه :
نر دبان خلق اين ما ومنيست
عاقبت زين نردبان افتاد نيست


الصفحة التالية
Icon