جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
هر كه سر كش بود او مقهور شد
هركه خالى بود او منصور شد
﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا﴾، وهو ما ظهر على يده من المعجزات القاهرة.
﴿قَالُوا﴾ : لاستكمال شقاوتهم.
﴿اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ﴾ ؛ أي : تابعوه في الإيمان، والقائل : فرعون وذوو الرأي من قومه أو فرعون وحده ؛ لأنه بمنزلة الكل، كما قال : سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم.
﴿وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ﴾ ؛ أي : أبقوا بناتهم أحياء، فلا تقتلوهن وبالفارسية :(وزنده بكذارد دختران ايشابرا تا خدمت زنان قبط كنند).
والمعنى : أعيدوا عليهم القتل، وذلك أنه قد أمر بالقتل قبيل ولادة موسى عليه السلام بإخبار المنجمين بقرب ولادته، ففعله زماناً طويلاً ثم كف عنه مخافة أن تفني بنو إسرائيل، وتقع الأعمال الشاقة على القبط، فلما بعث موسى وأحس فرعون بنبوته أعاد القتل غيظاً وحنقاً (وتادلهاى بني إسرائيل بشكند وموسى را يارى ندهند).
ظناً منهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملك فرعون على يده.
﴿وَمَا كَيْدُ الْكَـافِرِينَ﴾ فرعون وقومه، أو غيرهم ؛ أي : وما مكرهم وسوء صنيعهم.
وبالفارسية :(بنسبت انبيا ومؤمنان)، ﴿إِلا فِى ضَلَـالٍ﴾ :(مكر دركم راهى وبيهود كى) ؛ أي : في ضياع وبطلان لا يغني عنهم شيئاً وينفذ عليهم لا محالة القدر المقدور والقضاء المحتوم.
وفي "التأويلات النجمية" : عزم على إهلاك موسى وقومه واستعان على ذلك بجنده وخيله ورجله إتماماً لاستحقاقهم العذاب، ولكن من حفظ الحق تعالى كان كما قال : وما كيد الكافرين إلا في ضلال ؛ أي : في ازدياد ضلالتهم بربهم.
يشير إلى أن من حفر بئر الولي من أوليائه ما يقع فيه إلا حافره، ولذلك أجرى الحق سنته.
انتهى.
حكي أن مفتي الشام أفتى بقتل الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره، فدخل الحوض للغسل، فظهرت يد فخنقته، فأخرج من الحوض، وهو ميت، وحكي : أن شاباً كان يأمر وينهى فحبسه الرشيد في بيت وسدّ المنافذ ليهلك فيه، فبعد أيام رؤي في بستان يتفرج، فأحضره الرشيد، فقال : من أخرجك؟ قال : الذي أدخلني البستان، فقال : من أدخلك البستان؟ قال : الذي أخرجني من البيت، فتعجب الرشيد، فبكى وأمر له بالإحسان وبأن يركب فرساً وينادى بين يديه : هذا رجل أعزه الله وأراد الرشيد إهانته، فلم يقدر إلا على إكرامه واحترامه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ﴾ : لملئة ﴿ذَرُونِى﴾ : خلوا عني واتركوني يقال : ذره ؛ أي : دعه.
يذره تركاً ولا تقل وذرا وأصله وذره يذره كوسعه يسعه، لكن ما نطقوا بماضيه ولا بمصدره ولا باسم الفاعل كما في "القاموس".
﴿أَقْتُلْ مُوسَى﴾، فإني أعلم أن صلاح ملكي في قتله، وكان إذا هم بقتل موسى عليه السلام كفه ملأه بقولهم : ليس هذا بالذي تخافه، فإنه أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة وبقولهم : إذا قتلته أدخلت على الناس شبهة، واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة، وعدلت إلى المقارعة بالسيف، وأوهم اللعين أنهم
١٧٤
هم الكافون له عن قتله ولولاهم لقتله، وما كان الذي يكفه إلا ما في نفسه من الفزع الهائل.
وذلك أنه تيقن نبوة موسى، ولكن كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك.
﴿وَلْيَدْعُ رَبَّه﴾ : الذي يزعم أنه أرسله كي يمنعه مني، يعني :(تا قتل من ازوبازدارد).
وهو يخاف منه ظاهراً ويخاف من دعاء ربه باطناً، وإلا فما له يقيم له وزناً ويتكلم بذلك.
﴿إِنِّى أَخَافُ﴾ : إن لم أقتله ﴿أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ ؛ أي : بغير ما أنتم عليه من الدين الذي هو عبارة عن عبادته وعبادة الأصنام لتقربهم إليه.
﴿أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الارْضِ الْفَسَادَ﴾ ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية، فمعنى أو وقوع أحد الشيئين.
وفي الآية إشارة إلى أن فرعون من عمى قلبه ظن أن الله يذره أن يقتل موسى بحوله وقوته أو يذره قومه، ولم يعلم أن الله يهلكه ويهلك قومه وينجي موسى وقومه.
وقد خاف من تبديل الدين، أو الفساد في الأرض، ولم يخاف هلاك نفسه وهلاك قومه وفساد حالهم في الدارين.


الصفحة التالية
Icon