﴿وَقَالَ رَجُلٌ﴾ :(جون خبر قتل موسى فاش شد ودستان اندو هكير ودشمنان شادمان كشتند).
ولكن لما استعاذ موسى عليه السلام بالله واعتمد على فضله ورحمته، فلا جرم صانه الله من كل بلية وأوصله إلى كل أمنية وقيض له إنساناً أجنبياً حتى ذب عنه بأحسن الوجوه في تسكين تلك الفتنة كما حكى الله عنه بقوله : وقال رجل :﴿مُؤْمِنٌ﴾ كائن ﴿مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ﴾، فهو صفة ثانية لرجل، وقوله :﴿يَكْتُمُ إِيمَـانَهُ﴾ صفة ثالثة قدم الأول أعني مؤمن لكونه أشرف الأوصاف، ثم الثاني لئلا يتوهم خلاف المقصود، وذلك لأنه لو أخر عن يكتم إيمانه لتوهم أن من صلته، فلم يفهم أن ذلك الرجل كان من آل فرعون وآل الرجل خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة، أو الصحبة، أو الموافقة في الدين.
وكان ذلك الرجل المؤمن من أقارب فرعون ؛ أي : ابن عمه، وهو منذر موسى بقوله :﴿إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ﴾ (القصص : ٢٠) بك ليقتلوك كما سبق في سورة القصص واسمه شمعان بالشين المعجمة، وهو أصح ما قيل فيه.
قاله الإمام السهيلي.
وفي "تاريخ الطبري" : اسمه جبر.
وفيل : حبيب النجار، وهو الذي عمل تابوت موسى حين أرادت أمه أن تلقيه في اليم، وهو غير حبيب النجار صاحب يس.
وقيل : خربيل بن نوحائيل أو حزقيل.
ويدل عليه قوله عليه السلام سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب يس وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو رضي الله عنه أفضلهم كما في إنسان العيون نقلاً عن "العرائس".
وقال ابن الشيخ في "حواشيه" روي عن النبي عليه السلام : أنه قال الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله.
والثالث : أبو بكر الصديق، وهو أفضلهم".
انتهى.
يقول الفقير : يمكن أن يقال : لا مخالفة بين هاتين الروايتين لما أن المراد تفضيل أبي بكر في الصديقية، وتفضيل علي في السبق وعدم صدور الكفر عنه، ولو لحظة فأفضلية كل منهما من جهة أخرى، ثم إن الروايتين دلتا على كون ذلك الرجل قبطياً، وأيضاً أن فرعون
١٧٦
أصغى إلى كلامه، واستمع منه، ولو كان إسرائيلياً لكان عدواً له، فلم يكن ليصغي إليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال في "التكملة" : فإن قلت : الآل قد يكون في غير القرابة بدليل قوله تعالى : أ﴿أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (غافر : ٤٦)، ولم يرد إلا كل من كان على دينه من ذوي قرابته وغيرهم.
فالجواب : أن هذا الرجل لم يكن من أهل دين فرعون، وإنما كان مؤمناً، فإذا لم يكن من أهل دينه، فلم يبق لوصفه بأنه من آله إلا أن يكون من عشيرته.
انتهى.
وقيل : كان إسرائيلياً، ابن عم قارون أو أبوه من آل فرعون وأمه من بني إسرائيل فيكون من آل فرعون صلة يكتم وفيه أنه لا مقتضى هنا لتقديم المتعلق وأيضاً أن فرعون كان يعلم أن فرعون كان يعلم إيمان بني إسرائيل ألا ترى إلى قوله :﴿أَبْنَآءَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ﴾ (غافر : ٢٥)، فكيف يمكنهم أن يفعلوا كذلك مع فرعون؟ وقيل : كان عربياً موحداً ينافقهم لأجل المصلحة.
﴿يَكْتُمُ إِيمَـانَهُ﴾ ؛ أي : يستره ويخفيه من فرعون وملئه لا خوفاً بل ليكون كلامه بمحل من القبول، وكان قد آمن بعد مجيء موسى أو قبله بمائة سنة وكتمه، فلما بلغه خبر قصد فرعون بموسى.
قال :﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا﴾ أتقصدون قتله ظلماً بلا دليل.
والاستفهام إنكاري.
﴿أَن يَقُولَ﴾ ؛ أي : لأن يقول أو كراهة أن يقول :﴿رَبِّىَ اللَّهُ﴾ وحده لا شريك له، والحصر مستفاد من تعريف طرفي الجملة مثل صديقي زيد لا غير.
﴿وَقَدْ جَآءَكُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ ؛ أي : والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التي شاهدتموها.
﴿مِن رَّبِّكُمْ﴾ لم يقل من ربه لأنهم إذا سمعوا أنه جاءهم بالبينات من ربهم دعاهم ذلك إلى التأمل في أمره، والاعتراف به وترك المكابرة معه، لأن ما كان من قبل رب الجميع يجب اتباعه وإنصاف مبلغه.
وعن عروة بن الزبير، قال : قلت لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : حدثني : بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله عليه السلام.
قال : أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله يصلي عند الكعبة، أو لقيه في الطواف، فأخذ بمجامع ردائه عليه السلام، فلوى ثوبه على عنقه وخنقه خنقاً شديداً.
وقال له : أنت التي تنهانا عما يعبد آباؤنا، فقال عليه السلام : أنا ذاك، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبيه عليه السلام، والتزمه من ورائه ودفعه عن رسول الله.
وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم رافعاً صوته وعيناه تسفحان دمعاً ؛ أي : تجريان حتى أرسلوه.
وفيه بيان أن ما تولى أبو بكر من رسول الله كان أشد مما تولاه الرجل المؤمن من موسى ؛ لأنه كان يظهر إيمانه.
وكان بمجمع طغاة قريش.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon