ويوم : نصب على الظرف ؛ أي : من ذلك اليوم لما فيه من العذاب على المصرين والمؤذين، أو على المفعول به ؛ أي : عذاب يوم التناد حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فاعرف فإعرابه.
والمراد بيوم التناد يوم القيامة ؛ لأنه ينادي فيه بعضهم بعضاً للاستغاثة كقولهم : فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا.
(وهيج كس بفرياد كس نمى رسد).
أو يتصايحون بالويل والثبور بنحو قولهم : يا ويلنا من بعثنا، وما لهذا الكتاب، أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار، يعني : أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا من الجنة والنعيم المقيم حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم من عذاب النار حقاً، قالوا : نعم، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال الكاشفي :(يا بعداز ذبح موت ندا كنند كه يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت يا در آنروز منادى ندا كنند كه فلان ينك بخت شدكه هر كزبد بخت نشودو فلان بد بختى كشت كه تا ابد نيك بختى نيابد).
﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ﴾ : بدل من يوم التناد، يعني :(روزى كه بركردانيده شويد از موقف حساب وبرويد).
﴿مُدْبِرِينَ﴾ : حال كونكم منصرفين عنه إلى النار، يعني :(باز كتشكان ازانجا بسوى دوزخ)، وحال كونكم.
﴿مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ ؛ أي : ما لكم من عاصم يعصمكم من عذابه تعالى، ويحفظكم.
﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ :(وهر كرا خدا فرود كذا رد ضلالت).
﴿فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾ : يهديه إلى طريق النجاة.
قاله لما آيس من قبولهم.
وفي الآيات إشارة إلى أن الله تعالى إذا شاء بكمال قدرته إظهاراً لفضله ومنته، يخرج الحي من الميت كما أخرج من آل فرعون مؤمناً حياً قلبه بالإيمان من بين كفار أموات قلوبهم بالكفر ليتحقق قوله تعالى :﴿وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا﴾ (السجدة : ١٣)، وإذا شاء إظهاراً لعزته وجبروته يعمى ويصم الملوك والعقلاء مثل : فرعون وقومه، لئلا يبصروا آيات الله الظاهرة، ولا يسمعوا الحجج الباهرة مثل ما نصحهم بها مؤمن آلهم ليتحقق قوله تعالى :﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾.
وقوله :﴿وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى﴾ (السجدة : ١٣) الآية كما في "التأويلات النجمية".
وأسند الإضلال إلى الله تعالى ؛ لأنه خالق الضلالة، وإنما الشيطان ونحوه من الوسائط، فالجاهل يرى القلم مسخر للكاتب والعارف يعلم أنه مسخر في يدهتعالى ؛ لأنه خالق الكاتب والقلم، وكذا فعل الكاتب.
وفي قوله تعالى :﴿فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾ إشارة إلى أن التوفيق والاختيار للواحد القهار، فلو كان لآدم لاختار قابيل، ولو كان لنوح لاختار كنعان، ولو كان لإبراهيم لاختار آزر، ولو كان لموسى لاختار فرعون، ولو كان لمحمد عليه وعليهم السلام لاختار عمه أبا طالب.
يقال : سبعة عام وسبعة في جنبها خاص الأمر عام، والتوفيق خاص والنهي عام، والعصمة خاص والدعوة عام، والهداية خاص، والموت عام والبشارة خاص، والحشر يوم القياة عام، والسعادة خاص، وورود النار عام، والنجاة منها خاص، والتخليق
١٨٠
عام، والاختيار خاص، يعني ليس كل من خلقه الله اختاره، بل خاص منه قوماً، وكذا خلق أموراً وأشياء فخص منها البعض ببعض الخواص، ثم العجب أن مثل موسى عليه السلام يكون وسط قومه لا يهتدون به، وذلك لأن صاحب المرة لا يجد حلاوة العسل، والضرير لا يرى الشمس، وليس ذلك إلا من سوء المزاج، وفساد الحال، وفقدان الاستعداد :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
عنكبوت از طبع عنقا داشتى
از لعا بى خيمه كى افرا شتى
﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍا وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَه مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَـاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِه حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِنا بَعْدِه رَسُولا كَذَالِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ أَتَـاـاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَالِكَ﴾.
ثم قال مؤمن آل فرعون بطريق التوبيخ.