﴿وَلَقَدْ جَآءَكُمْ﴾ يا أهل مصر ﴿يُوسُفُ﴾ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.
﴿مِن قَبْلُ﴾ ؛ أي : من قبل موسى ﴿بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ بالمعجزات الواضحة التي من جملتها تعبير الرؤيا وشهادة الطفل على براءة ذمته، وقد كان بعث إلى القبط قبل موسى بعد موت الملك.
وكان فرعون هو فرعون موسى عاش إلى زمانه.
وذلك لأن فرعون موسى عمر أكثر من أربعمائة سنة، وكان بين إبراهيم وموسى تسعمائة سنة على ما رواه ابن قتيبة في كتاب "المعارف"، فيجوز أن يكون بين يوسف وموسى مدة عمر فرعون تقريباً، فيكون الخطاب لفرعون وجمع لأن المجيء إليه بمنزلة المجيء إلى قومه، وإلا فأهل عصر موسى لم يروا يوسف بن يعقوب.
والأظهر على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وتوبيخ المعاصرين بحال الماضين ؛ أي : ولقد جاء أيها القبط آباءكم الأقدمين.
وهذا كما قال الله تعالى :﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنابِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ﴾ (البقرة : ٩١)، وإنما أراد به آباءهم ؛ لأنهم هم القاتلون، ثم لا يلزم من هذا أن يكون فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف على ما ذهب إليه البعض.
وقيل : المراد يوسف بن إفرائيم بن يوسف الصديق أقام نبياً عشرين سنة.
﴿فَمَا زِلْتُمْ﴾ من زال ضد ثبت ؛ أي : دمتم.
﴿فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِ﴾ من الدين الحق.
﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ﴾ بالموت، يعني :(تا آنكاه كه بمرد).
﴿قُلْتُمْ﴾ : ضماً إلى تكذيب رسالته، تكذيب رسالة من بعده.
﴿لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِنا بَعْدِه رَسُولا﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقال الكاشفي :(جون سخن اين رسول نشنيديم ديكرى نخو اهد آمد از ترس آنكه در قول او تردد كنيم).
وفي الآية إشارة إلى أن في الإنسان ظلومية وجهولية لو خلي وطبعه لا يؤمن بنبي من أنبيائه ولا بمعجزاتهم أنها آيات الحق تعالى، وهذه طبيعة المتقدمين والمتأخرين منهم، وإنما المهتدي من يهديه الله بفضله وكرمه ومن إنكارهم الطبيعي أنهم ما آمنوا بنبوة يوسف، فلما هلك أنكروا أن يكون بعده رسول الله، وذلك من زيادة شقاوة الكافرين، كما أن من كمال سعادة المؤمنين أن يؤمنوا بالأنبياء قبل نبيهم.
﴿كَذَالِكَ﴾ ؛ أي : مثل ذلك الإضلال الفظيع.
﴿يُضِلُّ اللَّهُ﴾ :(كمراه سازد خداى تعالى در بوادى طغيان).
﴿مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ في عصيانه.
﴿مُّرْتَابٌ﴾ : في دينه، شاكّ في معجزات أنبيائه لغلبة الوهم والتقليد.
﴿الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ﴾ بدل من الموصول الأول ؛ لأنه بمعنى الجمع إذ لا يريد مسرفاً واحداً، بل كل مسرف.
والمراد بالمجادلة رد الآيات.
والطعن فيها ﴿بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ﴾ متعلق بيجادلون ؛ أي : بغير حجة وبرهان صالحة للتمسك بها في الجملة.
﴿أَتَـاـاهُمْ﴾ صفة سلطان ﴿كِبْرٌ﴾ عظم من هو مسرف مرتاب، أو الجدال.
﴿مَقْتًا﴾ ؛ أي : من جهة البغض الشديد والنفور القوي ﴿عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنه : بمقتهم الذين آمنوا بذلك الجدال.
﴿كَذَالِكَ﴾ ؛ أي : مثل ذلك الطبع الفظيع.
﴿يَطْبَعُ اللَّهُ﴾ :(مهر
١٨١
مى نهد خداى تعالى واز هدى محجوب ميكند).
﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ :(برهردل شخص متكبر كه سر كش انداز فرمان بردارى خو دكامه كه خودرا ازديكران بر ترداننده).
فيصدر عنه أمثال ما ذكر من الإسراف والارتياب والمجادلة بالباطل.
قال الراغب : الجبار في صفة الإنسان.
يقال : لمن جبر نقيصته ؛ أي : أصلحها بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.
وهذا لا يقال إلا على طريقة الدم ويسمى السلطان جبار لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم، فالجبر تارة، يقال في الإصلاح المجرد وتارة في القهر المجرد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقال أبو الليث : على قلب كل متكبر جبار ومثله في "كشف الأسرار" حيث.
قال بالفارسية :(بردل هر كردن كشى).
فقوله : قلب بغير تنوين بإضافته إلى متكبر ؛ لأن المتكبر هو الإنسان.
وقرأ بعضهم بالتنوين بنسبة الكبر إلى القلب على أن المراد صاحبه ؛ لأنه متى تكبر القلب تكبر صاحبه، وبالعكس والخبر زنا العينين النظر يعني زنا صاحبهما.
قال في "الكواشي"، وكل على القراءتين لعموم الطبع جميع القلب لا لعموم جميع القلوب.
يقول الفقير : اعلم أن الطابع هو الله تعالى، والمطبوع هو القلب وسبب الطبع هو التكبر والجبارية وحكمه أن لا يخرج من القلب ما فيه من الكفر والنفاق والزيغ والضلال، فلا يدخل فيه ما في الخارج من الإيمان والإخلاص والسداد والهدي، وهو أعظم عقوبة من الله عليه، فعلى العاقل أن يتشبث بالأسباب المؤدية إلى شرح الصدر لا إلى طبع القلب.
قال إبراهيم الخواص قدس سره : دواء القلب خمسة : قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل، والتضرع إلى الله عند السحر، ومجالسة الصالحين.